الموت الرقمي و وهم الاتصال

نداء يونس | فلسطين


كيف يمكن تعريف الموت الرقمي؟

الموت الطبيعي حالة غياب فيزيائي، اختفاء أو عدم، عدم فاعلية في فضاء تفاعلي، وبهذا يصبح أي إلغاء للحضور سواء أكان اختياريا أم إجباريا شكلا من أشكال الموت.

إذن، يصبح الإعدام الرقمي سواء لصفحات أو لحسابات ناشطين موتا فهو نتاج إعدام رقمي لأسباب عدة، إذ يتم التسبب بشلل رقمي لوجود الآخرين وقدرتهم على التنفس الرقمي، كما يصبح قرار الشخص إلغاء نفسه رقميا وتذويب هويته الرقمية شكلا من أشكال الموت الاختياري يتضمن حقه في النسيان الرقمي وحقه في الغياب ومسح الأثر رقميا، لكن هل الأمر تقنيا متاح، أم ممكن، أم مستحيل؟ هل يمكن لفاعل رقمي يرغب بالموت رقميا أن يحذف تطبيقات رقمية يستخدمها بكل الأرشيف المتوافر وأن يمسح أثره رقميا وإلى الأبد ومن كل وسيط الكتروني تي أن يحظى بالمسح الرقمي للذاكرة الرقمية، وأن يقتل ذاكرته وذكرياته إما لرغبته بالنسيان أو لإرادته العيش بهوية رقمية جديدة لوجود تهديد أو تصيد رقمي أو للحفاظ على خصوصية باتت مستباحة من قبل الشركات المالكة للتطبيقات أو أجهزة الاستخبارات والهاكرز والمخترفين والمتلصصين الرقميين أو من شركات بيع المعلومات والتجارة الإلكترونية بها أو ببساطة لوجود ميزة سكرين شوت أو لوجود مافيات رقمية وابتزاز رقمي؟

يتحول سؤال الموت الرقمي إلى امتداد آخر: لو قررت أن تقتل نفسك رقميا، هل هذا قرار أحادي الجانب، وهل يعني حذف حسابك delete مسحا للأثر أم أن حقك بالنسيان الرقمي والغياب الرقمي أصبح مستحيلا.

للاجابة على هذا السؤال قمت بتجربة عملية، حذفت حسابي على واتساب بكل حمولته من المجموعات والعلاقات الرقمية بعد أن سحبت البيانات الموجودة فيه إلى مكان آخر، وكانت النتيجة ببساطة أن الموت كان من جانب واحد، لا وجود رقمي لي في هذا الوسيط لكن كل أثر رقمي من تعليق أو مشاركة رقمية ما تزال هناك على سيرفرات للشركة المالكة وحيث يتم إجراء دعم يومي للبيانات ولدى كافة الجهات الرقمية التي تواصلت معها.

إن الذهاب في سبات رقمي فيسبوكي من خلال تعطيل الحساب أو حذفه يمنحك ميزة العودة إلى الحياة أي أنه موت مؤقت. إن (تبليك الآخرين) block لا يمسح التعليقات وإن كان مؤخرا يمسح كافة الرسائل على ماسنجر بشكل نهائي وتلقائي لكن ليس عن سيرفرات الشركات المالكة.

إذا تصبح أسئلة مثل: هل ذاكرتك الرقمية مشتركة؟ هل تعتبر ميتا رقميا إذا أعدمت بيناتك؟

الإجابة للاسف لا..

إذن، لو قررت أن تموت رقميا؟ هل تحظى بالحق بالنسيان الرقمي فعلا؟ وهل تحظى بميزة الغياب الفعلي، هل ترتبط الهوية الرقمية بالواقع الفعلي إلى الأبد لكونها امتداد رقمي للهوية الطبيعية؟ ما هي الهوية إذن، وهل التنكر الرقمي بهويات مخاتلة ضرب من ضروب التحايل على الحق في الموت الرقمي وهل ينفع في ظل وجود تعقب رقمي ممكن للـIP ولنقاط الاتصال بالإنترنت خارج إطار الـ dark web التي تحتفظ شركاتها فقط بخصوصيتك الرقمية ويمكنها وحدها كشفها؟

هل هناك ضمانات لاستخدام عادل ومحمي للحضور والغياب الرقمي للأفراد؟ وهل يمكن الحديث عن خصوصية في ظل مجانية الوسائط وتسليع البشر ومعلوماتهم وغياب الوعي الرقمي والرغبة بالهروب من التلصص الطبيعي إلى التلصص الرقمي؟

هل الحديث إذن عن الموت وليس الاغتيال الرقمي ترف في ظل فورة الوسائط وأساليب التعقب والتلصص وفوبيا انتهاك الخصوصية وتداعياتها وإمكانية السطو الرقمي على حسابات الآخرين والعيش تحت مظلتها؟

ألا يعتبر الحضور الرقمي في ظل ذلك كله إذا ما تمت معالجته ضمن علاقات القوة والسيطرة أو ما يمكنني تسميته الدكتاتوريات الرقمية التي تفرض مقدارا هائلا من الرقابة الذاتية على الأفراد بحجة الـ community standards أو بالاغتيال والإعدام الالكتروني لكل منشور أو صفحة مخالفة وإعادة إنتاج السلطوي الذي يمتد. إلى تأديب وضبط في العالم الطبيعي لتجاوز الحدود موتا فعليا للهويات الفردية وللحرية والفردية والتفكير خارج ما يسمح به فقط؟ هل نشهد تغيرا في وسائط السلطات من شكل تقليدي أي بنية الدول التقليدية إلى شكل رقمي اي بنية الشركات الحاكمة؟ وبهذا هل تتغير الوساىط لا ممارسات الهيمنة والقوة.

ألا يخلق ذلك ما أسماه غرامشي بالفاعل المتأزم أو ما أطلق عليه فوكو موت الفاعل؟ ألا يجيب ذلك عن سؤال الأيديولوجيا مقابل الخطاب والذي أثار الجدل لفترة طويلة بالقول بأنه لا يوجد أيديولوجيا فردية وإن وجدت فإنه سيتم إعدامها من خلال أساليب الضبط والتأديب وأن التقني عبارة عن وجه آخر للوسائط القديمة كما يقول دوبريه وبالتالي، فإن هذا الفضاء الرقمي ليس أكثر من وهم اتصال.

إن سؤال الحدود والتجاوز سؤال مهم ينسحب من خلاله طيف هائل من ممارسات الضبط ومحاولات الثورة التي يتم إعدامها او تستدعي أحيانا موتا رقميا للنجاة.

إن كل سلطة تحمل في داخلها مقاومة، يقول فوكو، لكن مصير هذه المقاومة سؤال مهم في إطار السياسات النكرووية bio powers أي سياسات الضبط والتأديب المتمثلة بالإعدام الرقمي وسياسات الرقابة الذاتية والتي قد تؤدي ضمن أمور أخرى إلى الموت الرقمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى