رؤى نقدية في رواية «هناك في شيكاغو» للفلسطينية «هناء عبيد»
صباح بشير | ناقدة وإعلامية فلسطينية
من عرف الغربة يعرف جيدا ما معنى الحنين إلى الوطن، تلك الحالة الشعورية التي تنتاب المغترب بعد أن يفارق أهله وأحبته تاركا محيطه، لغته الأم، وكل الأشخاص الذين عرفهم، تتدفق مشاعره وأفكاره وتبث فيها الشجون والأحاسيس، مع مرور الوقت يزداد المغترب توقا وشوقا للوطن، محدثاً ذلك في نفسه آثارا عميقة.
“هناك في شيكاغو”، العمل الروائي الأوّل للكاتبة الفلسطينية هناء عبيد المغتربة في أمريكا، الذي جاء في 214 صفحة، وهي رواية سيرة ذاتية تحمل أسلوبا واقعيا رغم منحاها العاطفي، عبرت من خلاله الكاتبة عن أفكارها ومشاعرها ورؤيتها للعالم، للوطن وللألم، ووصفت من خلاله حياة المغتربين ومشاعرهم، وما يختلجهم بعد الهجرة والسفر، طلبًا لتطوير أنفسهم وسبل معيشتهم.
تجسدت شّخوص الرواية في عائلة نسرين وهي بطلة القصة، والديها أختها وصديقاتها، وشخصيّات ثانويّة أخرى من النساء المغتربات، بَيَّنَت نسرين شوقها ورغبتها في السفر إلى شيكاغو، التي وصفتها ببلاد الأحلام والسعادة.
صَورَت الأحداث مشاعر البطلة بشكل واضح، فالفتاة المقدسيّة “نسرين” التي هُجّرت وعائلتها من وطنها الأم، درست الفيزياء وتعرفت على الشاب ثائر القادم من فلسطين لدراسة الهندسة المعمارية، أحبته وقررا الارتباط، اصطدما برفض والدها فتغيّر مسار الحلم، ثم ألقي الضّوء على قضيّة الأحلام واصطدامها بالواقع الصعب، شعرت نسرين بالخيبة خصوصا بعد رفض والدها تزويجها من ثائر، الشاب الذي التقت به في معرض الكتاب وأحبته، فعادت مرة أخرى إلى أحلامها في الهجرة.
بعد سفرها قابلت عمها وزوجته وعاشت معهما، تعرّفت على الجالية العربية هناك، وبدأت الصراعات والمعاناة من الغربة التي استوطنتها، افتقدت الأهل والوطن وشعرت بالندم بسبب هجرتها، ازدادت التحدّيات خصوصا بعد تعرض أمريكا لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، زارت نسرين أماكن عديدة، وصفت جمال “شيكاغو” والاختلاف والتنوع الموجود فيها.
تميزت الرواية بلغتها الشعرية التي ازدانت بالمُحسنات البديعيّة، جالت في الفضاء المكاني وتمكنت الكاتبة من تصوير الأحداث وتجسيدها بطريقة دراميّة، وصفت الثبات الإنساني أمام الإحباط والعراقيل، في الوقت الذي كان الأمل والتوقع قد أرهق روحها، لاحظنا كيف أحالت الخيبات إلى منجزات، بعد أن بدأت روايتها بنظرة تشاؤمية حيث كتبت: “لا يسير أي شيء في حياتي كما أريد، كثيرة هي الأمور التي تقف عائقا أمام رغباتي، كأنها دوما تستمتع بأن تعكر صفو حياتي” إلا أن لقاءها بثائر غير نظرتها التشاؤمية فشعرت بالارتياح والسعادة، مما انعكس تدريجيا على سطورها إيجابيا، فتشابكت الأحداث الشخوص وانفعالاتهم العاطفية المختلفة مع توجهاتهم ومشاعرهم، فتجلت مشاعر الفرح والرومانسية، الأمومة، الوحدة، الانتماء والحنين إلى الماضي والوطن، الفقدان والحزن، وفراق الأهل.