مفتاح الرضا
د. علي زين العابدين الحسيني| مضر
اللوحة للفنان الأمريكي داريل بوش
في هذا الزمان يشكو كثيرون من قلة ذات اليد، وسوء أحوال المعيشة، فلا يكاد يمرّ يوم من إظهار حالة الشكوى المتكررة من صعوبة العيش ومتاعب الحياة، وبمقارنةٍ يسيرةٍ بين واقع الناس في الوقت الحاضر وبين حياتهم من أقلّ من عشرين سنة سيلاحظ أنّ أحوالهم المعيشية تغيرت إلى الأفضل، وإن كان هذا التغير لا يبديه عامتهم، وإذا ما أبدوه فإنهم يظهرونه على استحياء شديد، وقد أثبت الواقع أنّه استجدّ لنا من النعم ووسائل الراحة ما لم يكن من قبل، ومع تزايد هذه المستجدات يوماً بعد يوم إلا أنها تقابل بالجحود، أو الاستهانة، وإذا ما بحثنا عن أصل هذه المشكلة فإن كثيراً من حيثياتها يرجع لسببين، أولهما: فقدان ما يعرف بمفتاح الرضا، وهي “القناعة”، فعلى الرغم من وجود أسباب الرفاهية ووسائل الراحة المنقطعة النظير في وقتنا المعاصر حتى في أقلها شأناً؛ كالأدوات المنزلية إلاّ أن جلّ الناس لا يقنعون بها، فلا يشبعون مما أوتوا، وكلما زادت عليهم الخيرات فإنهم لا يقتنعون، ولكون الرغبات متزاحمة لدينا والنفوس متشوفة للمزيد فهذا يجعلنا نعيش في حروب نفسية مستمرة من أجل تحقيق كثير من ملذات الحياة، وصرنا لذلك نريد الوصول إلى أشياء هي في حقيقتها لا يعرف نهايتها، وقد كان بالإمكان لأيّ شخص وصل إلى مرحلة محددة من النعم أو مرتبة راقية في الدنيا أن يكتفي بها، ويريح نفسه المتعبة بالنظر إلى ما فوقها، وثاني أسباب زيادة هذه الحالة البائسة -في نظري- تلك المقارنة المستمرة مع الآخرين في معيشتهم ممن تعرفهم أو لا تعرفهم، والنظر الثابت إلى ما في أيدي الآخرين، مما يستجلب عليك الحزن الدائم، فما من إنسانٍ قارن حياته بحياة غيره إلّا أصابه من الهموم الشيء الكثير، وقد جرت عادة الناس أنهم لا يقارنون أحوالهم إلا بمن هم أكثر منهم رفعة في الدنيا، لا من هم أقل حظاً، حتى يحمد ربه على ما أسبغ عليه من النعم الوافرة، على أنّ انعدام هذه القناعة ومقارنة حياته بحياة غيره هما سببان مهمان لحصول جحيم حياته المتواصل، ولن يصل معهما إلى شيء يذكر، فمهما كان عنده من وسائل الراحة وأسباب الغنى فإنه أبداً سيجد مَن هو أكثر منه خيراً، وسيحكم على نفسه بأن يكون في دائرةِ حربٍ مستمرة مع الدنيا وأربابها.