لا تفخروا بنضالكم على أهلكم     

بقلم: توفيق أبو شومر

اللوحة للفنان روبرت هوغان

سمعتُ حوارا بين فلسطينيَيْن في سيارة أجرة:

الأول:

أين كنتم عندما انتزعتْنا قواتُ الاحتلال من عائلاتنا وبيوتنا وملذاتنا، واعتقلتْنا في الزنازين شهورا وسنواتٍ، ونزعتْ أظافرنا، وأخضعتنا لكل ألوان العذاب؟

أين كنتم عندما أُجبرنا على ترك مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا، فسجنَنَا أعداؤنا المحتلون سنواتٍ طويلةً؟

أينَ كنتم عندما ضحينا بملذات الحياة، في سبيلكم، لتحيوا حياةً حُرَّةً كريمةً؟!!

 أين أنتم مِنَّا، نحن المطاردين من المحتلين، ممن نمضي حياتنا في خوف ورعب؟!!

ألم تكونوا تجمعون النقود في الخارج؟

فردَّ الثاني قائلا: ألم تسمع عن(نضالٍ) آخر لايقلُّ عن نضالكَ، أو ربما يفوقه؟

ألم تسمع عن فلسطيني هُجِّر قسرا من وطنه، ومنعته إسرائيل من دخول الوطن، لأنه كان وقت الاحتلال طالبا يدرس في الخارج، أو عاملا وموظفا وتاجرا  يبحث عن الرزق، فاضطر إلى أن يُصبح جائلا في أرض الله الواسعة، يبحث عن عمل ليُعيل عائلتين، عائلتَه الصامدة في الداخل، وعائلته الخاصة في الخارج، ويُنفق على أخوته ليتعلموا في المعاهد والجامعات؟!!

ألا تعرف  بأنه كان يُقسِّم مرتبه الشهري نصفين، نصفا للعائلة الخاصة، ونصفا للعائلة الكبيرة الصامدة في أرضها؟

هل جرَّبتَ أن تحملَ وثيقة سفرٍ، لا تُخولكَ دخول أي بلد مِن بلدان العالم، كانت صورتُها وشكلها تدعو موظفي الجمارك والحدود، ومسؤولي الجوازات والهجرة  لاضطهادك واضطهاد أسرتك في كل مكان في العالم؟

 فكم أسرةً طردت،لأنها تحمل وثيقة السفر تلك!! وكم أسرةٍ باتتْ أياما وأسابيع وشهورا، في أقبية مطارات العالم عقابا لها، لأنها تحمل وثيقة سفر للاجئين الفلسطينيين!!

ألم تسمع عن الفلسطيني الذي حرمته جنسيتُه الفلسطينيةُ من أن يبني بيتا باسمه، في أي بلد من بلدان العالم العربي، لأنه فلسطيني، فقرر أن يشتري بيتا شراءً صوريا، باسم شخصٍ من أهل البلد، وما إن أكمل بناء البيت، واستبشر لكي يسكنه، حتى طرده المواطن الأصيل واستولى على البيت، لأن الفلسطينيَ  أجنبيٌ، في القانون؟!!

ألم تسمع عن أخيك الفلسطيني حين ألغتْ الدولةُ العربيةُ عقد عمله، واستغنتْ عن خدماته، وطالبته بالرحيل، وهو لا يملك أية تأشيرة تسمح له بدخول أية دولة عربية، فاضطر أن يبحث عن كفيلٍ من أهل البلد يحتجزُ جواز َسفره، ويصبح ولي أمره ومولاه، يتحكم في حياته كلها كعبدٍ وخادمٍ، يُقاسمه جهدَه وعرقه، ويجودُ عليه بما يرغب؟!!

 هذا الفلسطيني، لم يدخل سجن الأعداء، ولم ينتظم في سلك الأحزاب والتيارات،ولم يحصل على ثمنٍ لنضاله، لا بثروةٍ وجائزة ، ولا بمنصبِ مديرٍ، أو وزير!!

هذا الفلسطيني الجائلُ في الخارج، هو أنا، وأخوك، وابن أخيك، هم مجموعُ شعبنا كلِّه، هذا الفلسطيني مناضلٌ بنكهةٍ أخرى، مناضلٌ وطنيٌ يستحق التقدير والاحترام!!

   إذن … من العارِ أن يفخرُ فلسطينيُ على أخيه بنضاله وسجنه وتعذيبه!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى