احتفاء نقدي بديوان ” شرفة من أحجيات القلب ” للسورية وليدة عنتابي
دمشق | المركز الثقافي العربي
عودة بالزمن إلى الساعة الخامسة من مساء يوم الثلاثاء 12/ 9/ 2017 وبالتعاون مع اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين أقام المركز الثقافي العربي في دمشق حي الميدان ندوة نقدية حول مجموعة: في شرفة من أحجيات القلب للشاعرة السورية وليدة عنتابي. بإدارة الأستاذ أحمد جميل الحسن مقرر جمعية القصة في الاتحاد وبمشاركة الناقدين العربيين الأستاذ أحمد علي هلال والأستاذ خليفة عموري , وحضور نخبة من الأدباء والشعراء والمثقفين .
قدّم الأستاذ أحمد جميل الحسن مدير الندوة , الشاعرة وليدة عنتابي التي نشرت في الدوريات المحلية والعربية ونالت عدة جوائز كما شاركت في العديد من المهرجانات والأنشطة المحلية والعربية والعالمية, وذكر منها مهرجان موسكو العالمي للشبيبة عام 1985 , وتكريمها في عام 2008 عام دمشق عاصمة الثقافة العربية من قبل السيدة عقيلة رئيس الجمهورية العربية السورية.
وقال: كتبت الشعر والنثر بما فيه القصة والخاطرة والومضة والمقال النقدي , كما كتبت للمسرح , ولمسرح الطفل حيث أخرج لها نص مسرحي بعنوان من يسرق العسل عن فرع دمشق للطلائع في المهرجان القطري في مدينة حلب عام 2009 , و تطرق إلى التعريف بالمجموعة الصادرة عن دار العرّاب في دمشق .
بدأ الأستاذ الناقد أحمد علي هلال بقوله: في تجربتها الشعرية يقال الكثير والكثير . الشاعرة التي صدرت لها ثلاث مجموعات شعرية تختزن العديد من المجموعات الشعرية تحت الطبع بالإضافة لكتبها النثرية .
ونحن هنا إزاء تجربة طويلة وعميقة أبحرت فيها الشاعرة على متن قاربها الأثيري تشق عباب معاناتها كإنسانة وشاعرة كابدت ولاطمت أمواج الحياة , وما زالت تشق عباب وجودها بزخم وحب لكل طيب وجميل. وقد أطلت من شرفتها المبنية بلبنات الأحجيات تلك الأحجيات المقدودة من مناجم قلبها الذهبي وقد استمد نسغه من ينبوع الفكر المبتكر والخيال الخلاق .
ماذا أرادت وليدة عنتابي أن تقول لقرائها وهي المعنية بكل ما حولها من أحداث وظواهر على مدار حياتها المرهونة بالمختلف والمثير ؟
من خلال مطالعاتي لمجموعتيها الشعريتين الأخيرتين : من زهز وجدي جنتك و في شرفة من أحجيات القلب , تأخذنا الشاعرة معها في رحلة الشعور إلى عوالم التقت فيها الفلسفة بالشعر , إنها في تناولها لموضوع الشعر تدلف إليه من باب عرفاني صوفي لتشعل مصابيحه على رؤوس بحثها واستقصائها لماهية الوجود في طيها لأسئلة كبرى متاخمة لقلقها الوجودي حيث رجحت فيه كفة اليقين على الشك فبات أقرب إلى توازنها وتماسكها في عالم يدور في حميّا الدم والمال والسلاح ولا يكف عن الدوران .
تقول الشاعرة في قصيدتها : هو الشعر :
_ يراود لحظتي يستاف برقاً
في مدى روحي
وينهض من سبات تصحري أفقاً
يطاول نجمة الصبحِ
يطرّز بالتخاريم التي انبثقت
وشاح الوقت من جرحي
ويخرج من مدى الجسدِ
إلى المددِ
إلى أن تقول :
لعصرٍ يجرف الشعراء في تياره الأخرقْ
ويخلط في مسيل لغاته المحجوب بالمرئيّ
والمفتوح بالمغلقْ
ليولم للدراويش الشرائع
ذلك المعني بالمنقول والمعقول
بالمتعدد الواحد
يدور يدور حول تبعثري الروحي
بين المطلق الكوني والنسبي للواجد
ويرفع لهفة الجزئيّ للكلّي
يرسم في لهيب الوجد أبعاد الهوى الصاعدْ
ويجلو الليس للصوفي في شطحاته الأعجب
يقيم علاقة سرّية الأبعاد بين اللفظ والمعنى
ويطلق من عقال الحجر
باسم العقل أطياف الرؤى الأغنى
في صورها الشعرية غرف مغلقة لكنها ليست مستعصية, فما إن تنهض من استرخائك واستسهالك لتناول وجبتها الغنية بالحريف والمثير حتى تتفتح لك تويجات ورودها وتزخم أفانين عطورها أجواءك التي أسأمتها الألوان المكرورة والروائح المتشابهة , وإذا كانت مراميها ومقاصدها بعيدة الغور لا تتكشف لذائقتك إلا تباعاً متشحة أنوارها وظلالها في معادلة البيان والتبيين , فإنها ترفعك معها إلى آفاقها القصوى متذوقاً حلاوة روحها وقد شارفت على تفردها في خصوصية لافتة باهرة .
تقول في قصيدتها : الكون شعر
_هدأ الشعر وطافت في مدى عينيه رؤيا
فإذا الكون مسار سوف يفضي لمسار
صبّح الشعر على شفة النهار
وانتشى الزهر تداعت في فيافيه السواقي
اعشوشبت في راحتيه الأرض
أمطر فضة صوت الكنار .
إنها في أنسنتها للأشياء تحتفي بالمخفي , وتوقد للظاهر مصباح ديوجين , فما يربكنا يهزنا , في مخاضة الأسئلة , ليخرج زبد النشوة ويرشو به شطآن الدهشة ,. تقول في قصيدتها مرايا النار :
_أمدّ يدي ألامس في مرايا النار
أسرار الهوى الأبعد
وأدرك سلّم الأعماق , أنشد في انكسار الظّل
أبعاد الأنا الأوحد .
ومن قصيدتها : صنم
تقول _
وأردّ من أقصى الكلام قصيدتي
سيفاً خرافيّ البريق على وريدك
شاهراً شجر الصعود
مذوباً صخر الندم .
وهي في مغايرتها للمألوف والعادي ترتكب فعل الصعود الموغل في اختراق الهنا والآن لتؤكّد وظيفتها الانتباهية من خلال العناوين العتبات الأولى للولوج في عوالمها الجوانية , والمتون تلك المركبات الباذخة إلى ما هو أنأى وأبعد , حتى إذا ما شارفت على النهايات تجلّت واستوت على آفاق مفتوحة لتأويلات متعددة تحمل أوجهها المختلفة .
تقول في قصيدتها : أكون القصيدة أو لا أكون:
_ أنا الوقت والديدبان وسِفْر الجنون
وظلّ اليقين وروح الغياب
فإن لحت لغزاً لمن لا يرى
ولجّاً تكاثر فيه العباب
تقطّرت من مقلةٍ واجدة
هو الكون مجلى رؤاي النبّي
ونرجس آفاقيَ العابدة
فمن زهر جمري هذا العقيق
ومن عتق روحيَ هذا السُّرى
إنها شعرية الوجد , تلك التي تمتلك روحها فتنعتق بها إلى أبعادها القصوى , حاملة معها دالة المعنى المرمية في سياق القصيدة منطلقة على حاملها الصوفي لتؤكد بقصدية واضحة العلاقة بين الشعر والفكر .
تقول في قصيدتها : لوقتٍ تعمم بالمستحيل
_ وروحي الشغوفة بالمستحيل
تجوب الأثير
تعلّق فوق سماء حياتي
قناديل أسئلة لا تجاب
تنوّس فيه المسافات
ترفو المفارق بالوقفة الذاهلة
وفي محاولتها شعرنة الوجد لا تستظهر استظهاراً بل تنضح بحمولتها المعرفية لحالة تتوسل البحث عن كنه الوجد الذي هو جوهر وسمة طاغية على مجمل نتاجها الشعري .
تقول في قصيدتها : معبد
_ بات للأسرار معبد
من أمّه امتلك المدى
وتهودجت فيه الرؤى
حتى تسرمد
يا خليلاً في أزقّات الليالي
وزوايا الكأس
من عبَّ توجّدْ
واستوى والنور
يلهج باسمه القدوس والقلب تهجّدْ .
حالة رؤيوية بأسلوبية تختصها وحدها دون سواها , فهي في مجمل بثها الشعري صوت متفرّد يتسم بخصوصية شديدة المغايرة .
شعر يكتب ليحملنا إلى أكثر من حالة للتأويل .
وتحدّث الناقد الأستاذ خليفة عموري عن هذه المجموعة الشعرية فقال :
تمتلك الشاعرة أدواتها الفنية وقاموسها اللغوي مختصة بتفرد صوتها واختلاف غنائيتها الواضحة في جرسها الموسيقي وإيقاعها المنساب بما يحمله خيالها من إيحاءات تلوح على مرآة حدسنا من خلال صورها المركبة والمشغولة بوعي حدسي معرفي يحملّه الكثيف من الدلالات .
فهي في اشتقاقاتها اللفظية تزرق دماً جديداً في مفاصل اللغة , على سبيل المثال أورد بعض الألفاظ حيث تقول: ذرذر . الممأزق . يتكهف .تهودجت يزوبع . .. إلخ ..
تعد الشاعرة بفيضانها الزاخر بالملفت والممتع فتراها وهي الوليدة وليدة لحظتها المفلتة على الدوام من أسر الآنية إلى فضاءات لا متناهية , وقد باتت أشبه بطوفان شعري يغيث ولا يغرق , وينعش ولا يبلل , كما جاء في قصيدتها : أنا التي تفيض
_ قد جاءني المخاض بالنشيد
فأبرقت في ظلمتي النجوم
وأورقت في غربتي
الأيام والشهور
وزارني في ثلّة
من شوقه الحبيب
معبّداً بالوجد في إشراقه الطريق
وانتابني التغريد والصداح
حتى تصادى الكون بالألحان
وعانق الشروق في مجيئه المغيب
لدى الشاعرة الكثير لتقوله فهي في تجربتها الوجدانية تطفح بما ناءت به قدرتها الاستيعائية على التحمل , لتشعر معها بحالة فيضان مستمر .
وقدرتها على تطويع اللغة تجعلها تمتلك ناصية نصها موجهة له حيث يروق لها المناخ أو التحليق .
وهي تزاوج بين النثر والومضة في مقاطعها : نفثات
_ تتسع الهوّة يتكهّف أفقي
تهجرني الأمطار
كيف سأروي أصيص الروح
وأطفئ آخر يوم من ذاكرة النار ؟
ثم جرت مداخلات من قبل الحضور أورد منها مداخلة الأستاذ القاص والناقد أيمن الحسن : الذي تحدث عن وظيفة النقد التي هي كشف جماليات النص وتفاصيلها مع إيراد أدلة وشواهد تؤكدها .
وأدلى باقي الحضور باستحسانهم لهذه الندوة وما جرى فيها من عرض وتفكيك لجماليات المجموعة الشعرية بالإضافة إلى الأسئلة التي طرحها مدير الندوة الأستاذ أحمد جميل الحسن وتمت الإجابة عنها من قبل الناقدين والشاعرة والحضور .