قراءة في مسرحية ” بيت ليس لنا ” للكاتب الفلسطيني عمر صبري كتمتو
بقلم: هدى عثمان أبوغوش
“بيت ليس لنا” مسرحية للكاتب الفلسطيني اللاجئ ابن مدينة عكّا، سفير فلسطين الأسبق لدى الدنمارك، وتقع المسرحية في 62 صفحة،ومن أربعة مشاهد.
“بيت ليس لنا” هو بيت في المنفى، ليس لنا،هو بيت مجروح مصاب بالصدمات،هو بيت من قلق وخوف،لا أمان دائم فيه،فيه تهبّ الرّياح في نهار صيف وتمطر في أيلول،بيت فيه يصرخ الفلسطيني متى أُبصر بيتي ويصبح بيت لنا!
في مسرحيته التراجيدية “بيت ليس لنا” يهدي الكاتب كتمتو مسرحيته إلى روح الشّهيد “غسان كنفاني”، وهذا ليس صدفة، إذ استوحى الكاتب مسرحيته من المجموعة القصصية لغسان كنفاني”عالم ليس لنا”التّي يجسد فيها حالة المأسآة الفلسطينية في ظلّ الإحتلال.
المكان: في المصعد،المحكمة،الزنزانة.
الزّمان: في سنوات الثمانيات.
في “بيت ليس لنا”يصوّر الكاتب عمر كتمتو حالة الفلسطيني اللاجئ،ومدى معاناته من خلال الرّموز،فما دامت جذورك فلسطينية فأنت متّهم دون أن ترتكب جريمة ما.وإنّ أصابع الإتهام دائما موجهة إليّك لا مفرّ.
ولقد رمز في شخصيّة الصحفي اليمني سامر من أصل فلسطيني الّذي اتّهم بقتل ضابط البوليس وحكم عليه بالإعدام، دون أن تكون جريمة في الواقع،إلىّ الظلم الفاحش الّذي يتعرض له الفلسطيني أينما وجد،إلى واقعه اليتيم بلا بيت دافئ ووطن يحميه،إلى حقّه المسلوب وقمع حريته في الرأي.
“بيت ليس لنا”هو صرخة لحق العودة الّذي طال انتظاره،وهو تجسيد لحالة الأنظمة العربية الدكتاتورية، في ممارسة قمع الحرّيات وتكتيم الأفواه، وصورة الفساد والحكم السّياسي المتمثل بالعمالة والخيانة والإغتيالات، وصورة المواطن العربي تحت عناق الحاكم وسلطته،وتحت الفقر.
الأُسلوب الفنّي للمسرحية عند الكاتب عمر كتمتو: استخدم الأقنعة في المشهد الأخير للمسرحية والدمى،حيث ارتدت الشّخصيات التّي كانت معه في المشهد الأول أي في المصعد، الأقنعةوثم رفعتها حين تمّت نهاية وظيفتها والحكم على سامر بالإعدام. إلا قناع البوليس تمّ رفعه متأخرا فيما بعد دون وجود أحد.
إنّ الأقنعة هي رمز لصلب الحقيقة،إلى أنّ العدل مشنوق والسّبيل إليه ليس سهلا.
إنّ كلمة الزنازين أخذت مفهوما رمزيا مختلفا عن مفهوم الزنزانة،فالزنازين كما جاءت على لسان الصحفي سامر،يمكن القول هي عبودية العقل العربي المغلوب على أمره للحاكم الظالم،وممارسة التّعذيب ضده لسدّ فوهة الحرية وتحرر عقولهم من الجهل والإستبداد الّذي يمارس تجاههم؛كي لا يبصروا الحقيقة أو ينطقوا بها،ويظلّ الصمت العربي هو المسيطر تجاه الفلسطيني المناضل بحقوقه.
يقول سامر”كلنا نجلس داخل زنزانة واحدة والفارق الوحيد بيننا هو حجم الزّنازين،إنّكم وأنا واحد منكم …..لستم قادرين على قول الحقيقة”.
امّا بالنسبة للحوار، فقد استخدم أُسلوب المخاطبة بين الشّخصيات، أغلب الحوارات في المسرحية كانت تتجه نحو بطل المسرحية سامر.وكان صوت الحوار بين هدوء من جهة الشّخصيات المتعددة ثمّ توتر وعاصفة غضب من جهة الصحفي سامر، وقد تحول خطاب سامر الّذي كان موجها إلى الفرد ليكون خطابه لكلّ المجموعة المتواجدة في المحكمة.”أيّها السّادة”
وتميّز الحوار بثقة سامر بنفسه برغم كلّ الضغط المصوّب تجاهه ومدى وعيه وصبره.
استخدم الموسيقى الحزينة،وقد ذكر وجود أبيات شعرية مسموعة من العمق،لكن لم يبين لنا ما هذه الأبيات.
لحق الأثر النفسي والصدمة على سامر بعد النكبة لما شاهده في دير ياسين،فلا يستطيع النطق إذا تعرض للصدمة لمدة ثلاثة أيام.
بينما نجد أنّ ما حدث له من قبل رفاق المصعد هو ليس صدمة لأنّ الوعيّ والإدراك عنده بلغ ذروته ،هو وحده قادر على قراءة الحقيقة رغم وجوده وحيدا.إنّ اتّهام الصحفي سامر ووقوفه وحيدا في صراعه في الزنزانة مع مختلف الشخصيات من مختلف الطبقات حتى من الفقير خالد الّذي تم ّ السيطرة عليه وغسل مخه كباقي شرائح المجتمع،هو إشارة إلى الفلسطيني الّذي حكم عليه أن يعاني من قسوة الوِحدة والغربة في انتظاره للعودة إلى بيته!وإلى ظلم ذوي القربى من الإخوة في الدول العربية الحاكمة، تجاه أُختهم الفلسطينية.
جاء عنصر التّشويق جميلا في المسرحية في عدم الكشف منذ البداية عن جثة المقتول،وكانت المفاجأة المذهلة في نهاية المسرحية حيث اتّضح عدم وجود جريمة وأنّ المقتول الوهمي هو رجل البوليس الموجود في المحكمة.
ملاحظة-تفتقر المسرحية إلى وصف ملابس الشّخصيات،وجاء وصف مكانة ووضع الشخصية عوضا عنه.