متاهة الإنسان في قصيدة “هياكل مطفأة” للشاعر المصري عمارة إبراهيم
د. عبد الحكم العلامي | شاعر وناقد مصري
أولا – الرؤية
تنتظر من يعثر على جسد لها
توارى خلف قصيدة
ربما أسكنوها
في متحف
تآكل فيه هيكلي
داخل صندوق
زجاجي
أنيق !!
وأنت تتابع هذا الموقف/ النص/ هياكل مطفأة للشاعر الكبير عمارة إبراهيم لا يمكنك أن تعود إلى حالتك الأولى قبل هذه المتابعة!
هناك كيمياء أخرى سرت في جميع البدن/ كيمياء تملكت الحواس بعد أن انتظمت الروح والبدن في هذا المسار ذي النزعة الغنوصية حال صياغتها في المأزق الوجودي للإنسان على هذا الكوكب الدامي !
حيث أسئلة الغاية والمصير وأسئلة المآلات .
كيف لي أن أفيق بعد متابعة هذا الموقف / النص/ هياكل مطفأة !
وكيف لي أن أفيق بعد أن توحد هيكلي بهياكل أخرى حاضرة وغائبة في الزمان ؟!
ليسفر الموقف كله عن متاهة أخرى للإنسان على هذا الكوكب/ متاهة مغلفة بالأناقة هذه المرة مما يهيب بمواصلة هذا الخداع الذي يعيشه هذا الإنسان بعد أن ألبسوه الأقنعة وأمسكوا بكل الخيوط في أيديهم حتى يتمكنوا من تحريك ذلك الإنسان في المسار المعد له سلفا ذلك المسار الذي لا يمكنه أن ينفك عنه هكذا لأنه مغلق ومسجى :
داخل صندوق
زجاجي
أنيق !!
ثانيا – نص: (هياكل مطفأة) للشاعر المصري عمارة إبراهيم
المواسم هنا
تنثر من روحي
فيوضاتها.
لكل فصل
سمته
ولكل سمت مخاضه
أنا العابر
من دوامات حدائق القلق
يفتل من خيالات المسافرين
جسورا
ترسو
في انحدار
مشتعل.
معبأ
ببرق
يعتلي أجواء الحكايات
وريح
تقبع تحت ملاءة
من خيوط
لم تكن أبدا
في ضجيجها
ولم تكن
تبدأ زحفها نحو لحظتي
في رهان
مع شعاع الضوء
الذي يقف هناك.
تنبش مقهي عزلتي
في سراديب موجات الفراغ
الشتاء هنا
ليله طويل
ونومه لا يصافحني
ولم تطو مسافات البرودة
فيه طوفانها
حين تنتابني
وأنا العابر الذي
رمي بسهمه
عند خاصرة محطات الريح
ولم ينجب فضاءات الوقت
تحت ظلال
مهيأة
لمراسم التناوب
وقت اتساع قبضة الصقيع
تحت مسامات
جلدي
حاصرتني مطبات
صنعوها خصيصا
عند صفصافتي
الذابلة
تحديدا
وقت فحص برامج
نوبات حماقتي
ولم يكن وقتها
للسماء نبوءة
تصافح البحر
حتي يمنحني قدرا
من عضلات حكاياته
أطالع الآن
أوراق أبجدة الأرض
من دون وصاية
من أذرع المصدات
والألغام
أتحسس متاريس عمري
الذي فار
وارخي حباله
لغزو جيوش
حطت في تفاصيل طاقتي
كانت في وقت
لا تربك خصلة
من شعر أبيض
لشيخ وقور
يحب امرأة
لا تقف عند حدود
ولا ترسم تحت جلده
مواسم
لغير جنون حكاياته.
أنا العابر فضاءات روح
تلملم مساءاتها
وقت عبور محطات الذاكرة
في شاحنات
لم تتوقف عن السير
خلف جنازات المسافرين
لتصنع جمرا
كمدفاة موقدة
ترمم أعضاءنا من بقع مملحة
عطبها
علي جدران الجسد
كانت تعربد فوق سنين العمر
فارت حينما مرت
تعاسته التي تبدأ
مع كل فيض
للمواسم
في بداية ارباك روحه
وقت مجيء الفصول.
أنا العابر الذي
لم يزحف
نحو مساطب قناعاته
ولم يهادن محطات مشاويره
في فضاءات الوجع
لم يغن مواويله
فوق أغصان الخريف
مثل العصافير في مناخها الطيب
تنتظر عطية الله
علي مائدة
تنزل من السماء
لتكون هداية لمن ضلوا
الوجوه منقادة نحو الضلال
أو مغلفة
في ابتسامة
لا ترتجف
ولم تباركها
ملائكة أجراس الطلوع
علي موائد
لصوص الأزمنة المتعاقبة.
هنا عربدة
وهناك فراغات
تسكنها متاعبي
وأنا العابر جسور مصدات
حياة
لا شيء فيها
يرسم لي خارطة وجود
أو ينبش حقيقة مواسمها
علي حدود هي لي
ولا أطلع علي درجات مساراتها
تقبع في ثكنة الروح
ساكنة
تنتظر من يعثر علي جسد لها
تواري خلف قصيدة
ربما أسكنوها
في متحف
تآكل فيه هيكلي
داخل صندوق
زجاجي
أنيق!.