ماراثون افتراضي
عبد الرزّاق الربيعي | شاعر ومسرحي وصحافي
إذا اعتبرنا إقامة ندوة، أو محاضرة، أو جلسة حواريّة، أو شعريّة عبر الفضاء الافتراضي، باستخدام الوسائل المرئية، يشبه الجري على طريق غير معبّد، لا يخلو من مطبّات، فتنظيم مؤتمر في الفضاء الافتراضي أشبه ما يكون بمشاركة في (ماراثون)، لكونه يعتمد على نشاط شبكة الانترنيت في مناطق مختلفة من عالمنا العربي المتهالك إلكترونيّا، فضلا عن ضعف التيّار الكهربائي، وانقطاعه، بشكل متكرّر، في بعض المناطق، فمثل هذه الأنشطة تحتاج إلى شبكات اتّصال قويّة، ومعرفة كافية ببرامج حديثة متقدّمة، ومع ذلك، فـالمشاركون في هذا (الماراثون) شدّوا العزم، وضاعفوا الجهود، وتحدّوا الصعاب حتى وصلوا خطّ النهاية، بأقلّ ما يمكن من الخسائر التي تواجه أيّ تجمّع على أرض الواقع، والافتراضي على حدّ سواء! فلا يوجد تجمع يخلو من منغصات أحيانا تكون نتيجة ظروف خارج السيطرة!
أقول هذا بعد متابعتي، لوقائع مؤتمر” الإعلام الثقافي- آفاقه، ومتغيّراته” ومشاركتي بتقديم إحدى جلسات المؤتمر الذي كان من المقرّر إقامته خلال اليومين 13-14 ابريل الماضي، لكنّ تفشّي فايروس ” كورونا” حال دون ذلك، فأعلنت المكرّمة د. عائشة الدرمكي، عن مواصلة النادي الثقافي برامجه عبر الفضاء الافتراضي، خصوصا أنّ للنادي تجارب سابقة في هذا المجال، وقد أخبرني الزميل محمود العبري نائب مديرة النادي أنّ أوّل فعّاليّة جرى بثّها بشكل مباشر من النادي أقيمت عام 2009، وكانت تدشين كتاب” تاريخ عمان السياسي” للراحل عبدالله الطائي، بطبعته الصادرة عن مكتبة الربيعان الكويتيّة 2008 بتنظيم منتديات الحارة، وذلك عبر منتديات الحارة، واليوتيوب، وبهذا يكون له قصب السبق في تجربة لم تتكرّر إلّا بعد توقّف أنشطة الحياة، خلال فرض آليّة التباعد الاجتماعي، وبدء الجميع البحث عن بدائل عبر جلسات البثّ المباشر، التفاعليّة، فإذا بالمياه القديمة تعود إلى مجاريها، لتتدفّق الكترونيا، وهو ما سارت عليه مرافق ثقافية أخرى، فأعادت وصل ما انقطع، وكان على رأس تلك البرامج هذا المؤتمر، الذي شارك به باحثون عمانيون وعرب، من مناطق مختلفة، وكما يقول المثل”ربّ ضارّة نافعة”، فالجائحة جاءت لتنبّهنا إلى وجود الكثير من الفجوات، والنواقص، والعلل في حياتنا! ليس على مستوى قدرات المؤسسات على المواكبة، بل حتى على مستوى المهارات الفرديّة التي تبعا لذلك تبقى قاصرة، و”الحاجة أمّ الاختراع”لذا طوّرت نفسها بسرعة كبيرة، فاستطاعت خلال فترة وجيزة الاستفادة من التطور الرقمي الذي لم نأخذ منه ما يصبّ في منفعتنا، فمنذ دخوله في حياتنا، ليصبح جزءا منها، وجدنا أنفسنا منشغلين بقضايا سطحيّة، مضرّة للمجتمع كنشر الإشاعات، والسخرية من الأفراد، والطرائف ثقيلة الدم، والترويج للأفكار السلبيّة، وكلّ ما يثير النعرات، والفتن، تاركين معرفة التقنيّات، والتعاطي مع البرامج، والتطبيقات جانبا، لذا وقف جميعنا مرتبكا، أمامها، في الأيّام الأولى من الجائحة، ولحسن الحظّ لم يطل الارتباك كثيرا، فتمكّنّا من تطوير قابلياتنا في التعاطي، مع هذه التطبيقات بالقليل، أو الكثير من الجهد، والوقت حسب القدرات الفرديّة، من خلال التدريب الذاتي بعد تعرّضنا لعدد من الاخفاقات المنظورة، وغير المنظورة للملأ، ونجحنا في تصريف الأمور، وتمشية الحال، رغم أنّ شبكات الاتّصالات ظلت ضعيفة، في أماكن كثيرة، من عالمنا العربي، وهذا الأمر لم نكن نعر له اهتماما، لكننا في ظلّ الجائحة، بدأنا ننتبه إلى نقاط ضعف كانت خفيّة علينا، فقفزت فجأة لتقف في طابور الأولويّات في اهتماماتنا، وهذه نقطة إيجابية كسبناها لكي نندمج بحركة العصر، ونتلمس نبضه، لكي لا نظلّ نعمل خارج منظومته، واشتراطات دخوله، من أجل اللحاق بالعالم المتقدّم، والمشاركة في (مارثونه) الافتراضي!