قراءة في بلاغة القرآن: تأنيث وتذكير (ملائكة) و لا النافية للجنس
ماجد الدجاني | فلسطيني
( أ ) ما سبب التذكير مرة والتأنيث مرة مع (الملائكة) في القرآن الكريم؟
قال تعالى في سورة ص (فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ {73}) وجاءت الملائكة هنا بالتذكير، وفي سورة آل عمران (فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ {39}) جاءت الملائكة بالتأنيث.
الحكم النحوي: يمكن أن يؤنّث الفعل أو يُذكّر إذا كان الجمع جمع تكسير كما في قوله تعالى (قالت الأعراب آمنا) و(قالت نسوة في المدينة) فيجوز التذكير والتأنيث من حيث الحكم النحوي.
اللمسة البيانية: أما لماذا اختار الله تعالى التأنيث في موطن والتذكير في موطن آخر فهو لأن في الآيات خطوط تعبيرية هي التي تحدد تأنيث وتذكير الفعل مع الملائكة.
وهذه الخطوط هي:
- في القرآن الكريم كله كل فعل أمر يصدر إلى الملائكة يكون بالتذكير (اسجدوا، أنبئوني، فقعوا له ساجدين)
- كل فعل يقع بعد ذكر الملائكة يأتي بالتذكير أيضاً كما في قوله تعالى (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب) و(الملائكة يشهدون) (الملائكة يسبحون بحمد ربهم)
- كل وصف إسمي للملائكة يأتي بالتذكير (الملائكة المقرّبون) (الملائكة باسطوا أيديهم) (مسوّمين، مردفين، منزلين)
- كل فعل عبادة يأتي بالتذكير (فسجد الملائكة كلهم أجمعين) (لا يعصون الله ما أمرهم) لأن المذكر في العبادة أكمل من عبادة الأنثى ولذلك جاء الرسل كلهم رجالاً.
- كل أمر فيه شِدّة وقوة حتى لو كان عذابين أحدهما أشدّ من الآخر فالأشدّ يأتي بالتذكير (ولو ترى إذا يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق) (يتوفى) جاءت بالتذكير لأن العذاب أشد (وذوقوا عذاب الحريق) أما في قوله تعالى (فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم) (تتوفاهم) جاءت بالتأنيث لأن العذاب أخفّ من الآية السابقة. وكذلك في قوله تعالى (ونزّل الملائكة تنزيلا) بالتذكير وقوله تعالى (تتنزّل عليهم الملائكة) بالتأنيث وقوله (تنزل الملائكة والروح فيها من كل أمر) بالتأنيث.
- لم تأت بشرى بصيغة التذكير أبداً في القرآن الكريم فكل بشارة في القرآن الكريم تأتي بصيغة التأنيث كما في قوله تعالى (فنادته الملائكة) و(قالت الملائكة) .
(ب) ما الفرق بين لا رجل في الدار وما من رجلٍ في الدار مع أن كليهما لنفي الجنس؟
(من) الإستغراقية لنفي الجنس (فاعْلمْ أنهُ لا إله إلا اللهُ (19) محمد) و (وما منْ إلهٍ إلا اللهُ الْواحدُ الْقهارُ (65) ص) كلاهما لنفي الجنس. بداية لا النافية للجنس يعني تستغرق كل الجنس المذكور يعني لما تقول لا رجل جميع الرجال لا واحد ولا أكثر كل هذا الجنس هو منفي، بينما لما تقول ما من رجل أيضا تنفي استغراق الجنس (من) زائدة هذه تفيد استغراق الجنس كله، إذن ما الفرق بينهما إذا كان المعنى واحدا؟ والقرآن يستعملهما (فاعْلمْ أنهُ لا إله إلا اللهُ (19) محمد) (وما منْ إلهٍ إلا اللهُ الْواحدُ الْقهارُ (65) ص) ؟ لا النافية للجنس يقولون هي جواب لـ (هل من) يعني كأن سائلا سألك هل من رجل في الدار؟ فتقول له لا رجل في الدار، هذه إجابة على سؤال (هل من؟) لما تقول هل رجل في الدار؟ جوابه لا رجل في الدار (لا هنا نافية) ولما تقول هل من رجلٍ في الدار؟ جوابه لا رجل في الدار (هذه لا النافية للجنس). (من) زائدة لاستغراق الجنس، هل رجل يحتمل واحدا أو أكثر أما هل من رجل ينفي الجنس لا رجل ولا اثنان ولا أكثر، هذه قاعدة مقررة. إذن لما تقول هل رجل في الدار جوابه لا رجل في الدار و(لا) هنا نافية، هل من رجل في الدار تجيبه لا رجل في الدار، هذا مقرر في اللغة وهنا (لا) نافية للجنس. فإذن لما تقول لا رجل هو جواب لـ(هل من)؟، هذه جواب سائل. أما ما من رجل في الدار هذا ليس جواب سائل وإنما رد على من قال لك إن في الدار رجلا. لا النافية للجنس إجابة على سؤال وما من رجل رد على قول إن في الدار رجلا. لا رجل إعلام لسائل وإخبار عن شيء لا يعلمه أو جواب عن سؤال، أما ما من رجل فهو رد على قول. مثال (لقدْ كفر الذين قالُواْ إن الله ثالثُ ثلاثةٍ وما منْ إلـهٍ إلا إلـه واحد (73) المائدة) (ومن الناس من يقُولُ آمنا بالله وبالْيوْم الآخر وما هُم بمُؤْمنين (البقرة) (ويسْتأْذنُ فريق منْهُمُ النبي يقُولُون إن بُيُوتنا عوْرة وما هي بعوْرةٍ (13) الأحزاب) هذه رد، (ويقُولُون هُو منْ عند الله وما هُو منْ عند الله (78) آل عمران) (ويحْلفُون بالله إنهُمْ لمنكُمْ وما هُم منكُمْ (56) التوبة) هذا رد. بينما (لا إكْراه في الدين (256) البقرة) هذا تعليم وليس ردا على قول، (ذلك الْكتابُ لا ريْب فيه هُدى للْمُتقين (2) البقرة) هذا أمر، (فاعْلمْ أنهُ لا إله إلا اللهُ (19) محمد) هذا إخبار. الفرق الثاني أنه بـ (ما) هذه و(من) نستطيع نفي الجنس بـ(ما متصلة ومنفصلة)، بمعنى أني لا أستطيع أن أنفي بـ (لا النافية) إذا كان منفصلا، لا أستطيع أن أقول لا في الدار رجل، يمكن أن أقول لا في الدار رجل لا يمكن أن ننفي الجنس هنا وتكون (لا) هنا مهملة (لا فيها غوْل (47) الصافات). أما (ما) فيمكن أن تكون متصلة أو منفصلة (فما لنا من شافعين (100) الشعراء) (ما لكُم منْ إلـهٍ غيْرُهُ (59) الأعراف) لا يمكن أن نقول لا لكم من إله غيره. فإذن (ما) تكون أوسع في نفي الجنس. إذن هنالك أمران أن (لا) جواب عن سؤال وإخبار وإعلام و(ما) رد على قول و (ما) هي أوسع استعمالا لنفي الجنس من (لا). إذن هنالك لا النافية للجنس و (ما من) ما تُعرب نافية لأن الجنس يأتي من (من) ولا يأتي من (ما) والتركيب (ما من) نافية للجنس، (من) تسمى من الاستغراقية ونعربها زائدة لكن معناها استغراق نفي الجنس