أحزاب العرب بالمقلوب
توفيق أبو شومر | فلسطين
Egyptian painter Mahmoud Feteih
فكرتُ في إعداد بحث عن تكتيكات معظم الأحزاب العربية واخترتُ له اسما طريفا، وهو (دليل الأحزاب العربية)، وشرعتُ في وضع بنود هذا البحث واقترحت أن أبدأ بالأبواب التالية:
المقدمة والتمهيد، وسيشير التمهيد إلى أن معظم أحزاب العرب، كما أحزاب العالم أجمع ، تبدأ بالإقناع الفكري، والاستقطاب المصلحي، واستغلال أخطاء السابقين، وتوظيف تلك الأخطاء لتكثير الأتباع والمريدين، وفي هذه المرحلة تزدهر الأفكار الحرة النَّيِّرة، وتنطلق الإبداعات، ويشتعل حماس الأعضاء والمريدين، ولعل أبرز سمات هذه المرحلة، أن أعضاء الحزب والمرشحين للعضوية، يضحون في سبيل أحزابهم بالغالي والنفيس، يدفعون الاشتراكات على حساب أقواتهم، ويحتملون الصعاب، ويستهينون بالمشاق!!
أما المرحلة الثانية فهي مرحلة مواجهة الخصوم والمنافسين، وفي هذه المرحلة تضعف قدراتهم على الإقناع الفكري، وينصبُّ جل اهتمامهم على الإطاحة بمنافسيهم، ويتحول كثير من دعاة الأحزاب ومريديها من مبشرين باسمين إلى جنود مقاتلين عابسين، هدفهم هو إسقاط حكم المنافسين!
وما إن يتمكنوا من الحكم، حتى تبدأ المرحلة الثالثة، وتتمثل هذه المرحلة في إعادة تفصيل الوطن على مقياس الحزب المنتصر، فيشرعون – كما قال ابن خلدون في مقدمته- في جذب الموالين واصطناع الأتباع!
وتأتي بعد ذلك، مرحلة جمع الغنائم، وهذه المرحلة هي أكثر مراحل الأحزاب العربية انتشارا، وفيها تضع الأحزب العربيةُ أهدافها ومرتكزاتها ومبادئها في كفة ، والمصالح الشخصية في الكفة الأخرى، وفي الغالب الأعم تنتصر الكفةُ الأخرى على المبادئ والعقائد!!
ومن أعراض هذه المرحلة الخطيرة ما يلي:
يتحول الجنود الذين كانوا يأتمرون بأمر مفكريهم وقادتهم في بداية تأسيس الحزب، إلى آمرين مسيطرين على مقاليد الأمور، وفي كثيرٍ من الأحزاب العربية، يتحول الجنود من حامين للأوطان، إلى قاهرين وجلادين للأهل والخلان، وجباة للإتاوات، ويصبحون في بعض البلدان أبرز أباطرة رؤوس المال، ويتحول الوطنُ كُلُّهُ عندهم من مبدأ مقدسٍ، إلى سلعة لها أثمان!!
كذلك، يتحولُ القادةُ السياسيون من آمرين إلى مأمورين، فيصيرون أتباعا ومريدين وخداما مطيعين لجنودهم ومقاتليهم، ينفذون أوامرهم مرغمين كارهين!!
ومن الأعراض أيضا أنهم يتمكنون من تحويل الشعوب التي كانوا يستجدونها في بداياتهم إلى جابي ضرائب وإتاوات، فتصبح شعوبهم هي التي تستجديهم وتستعطفهم وتطلب مغفرتهم ورضاهم!!.
ومن أخطر أعراض هذه المرحلة، وهي مرحلة ما قبل اندثار الحزب وزواله، الاستعانة بغير أبناء الوطن، بحيث يصبح الغرباءُ عن الوطن أكثر قربا للعسكر، من الأهل، فيزدهر التنسيق معهم، وتتفشى ظاهرة التعاون السري، ويصبح أهم أركان الدولة هو أجهزة المخابرات والاستخبارات وما في حكمها، ويصير التعاون مع رجل مخابرات أجنبي، مُقَدَّما على إطاعة أوامر منظريهم ومفكريهم ومطلقي شرارة الأحزاب الأولى!!
وهناك إشارة أخيرة على بداية أفول نجم الحزب نهائيا واندثاره، وهي إقصاء رواد الحزب نفسه وإبعادهم عن القرار، وفرض الحجر الفكري على معارضي الفساد، وقمع واضطهاد منظري الفكر الأنقياء الأطهار، وإلصاق التهم بهم وتشويههم!