الوشاية بالأسرى الستة بين الحقيقة والأوهام.. ” وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ “
هادي زاهر | فلسطين
تهجّمات كثيرة جاءت عبر وسائل الإعلام المختلفة على أبناء الطائفة الدرزية، عقب هروب الأسرى من سجون الاحتلال، منها ما كان سافرًا ومُعَمِّما، علمًا بأن الطائفة الدرزيّة ككل شريحة خلقها الباري عز وجل، فيها ما يكفيها من الشرفاء ومن السفهاء، لقد تمادى البعض غير مدرك بأن في التعميم الكثير من الظلم والتجنّي، وقد جاءت الاتهامات مشبّعة بالأكاذيب حيث قيل بأنّ شرطيًا درزيًا من مدينة الناصرة قام بالوشاية على السجناء، في حين أن مدينة الناصرة تخلوا من المواطنين الدروز، وجريا مع أكاذيب الاحتلال التي يبغي منها الفتنة، نُشر بأن مواطنين عرب شاهدوا الفارّين وقاموا بإخبار الأجهزة عن ذلك، وادّعاء آخر بأنّ اثنين من الفارين دخلوا أحد البيوت في الناصرة وطلبوا الطعام فما كان من صاحب البيت إلا أن أخبر الشرطة عن ذلك؛ لتلقي الأخيرة القبض عليهما، ولتثبيت هذه الأكاذيب تم شكر المواطنين العرب على مساعدتهم للأجهزة الأمنية، الخ… من أكاذيب تبغي السلطات الإسرائيلية منها دبّ الخلافات بين أبناء شعبنا؛ لتسرح وتمرح في استمرارها اضطهاد الجميع كل على حدا وسط أجواء من تخويننا لبعضنا البعض وهناك من البسطاء من ينساب بسهولة مع ذلك؟!
أحد الأشخاص ممّن سجل فيديو وبثّه دعا الطائفة الدرزية في كل العالم إلى رفع يدها عن الشعب الفلسطيني، هكذا بكل بساطة! متناسيًا دور دروز لبنان في الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني بكل قوّتها عندما تكالبت عليه إسرائيل والولايات المتحدة وحزب الكتائب ومختلف القوى الرجعية في لبنان والرجعية العربية التي مولت الغزو الذي شنته إسرائيل على لبنان عام 1982، حتى احتلوا العاصمة بيروت.
غريب كم أن ذاكرة شعبنا قصيرة؟!
أما عن اتهام الدروز ككل فأريد ان انوّه هنا تحديدًا إلى دور الدروز المميّز في النضال القوميّ العربيّ، والّتي لا تستطيع أي شريحة شريفة من شعبنا ان تزايد عليها، ولن نتحدث عن المعارك التي خاضها الدروز عبر التاريخ ضد البيزنطيين والصليبيين والمماليك والمغول والتتر ونابليون الذي قال أعطني هؤلاء لأحارب بهم الدنيا، لن نتحدث عن الأمير رافع بن ابي ليل مع صلاح الدين الايوبي لتحرير القدس، لن نتحدث عن المعارك مع إبراهيم باشا، لن نتحدث عن الأمير فخر الدين، لن نتحدث عن تحرير سوريا من العثمانيين والفرنسيين وعن دورهم في تحرير لبنان من الفرنسيين، ولن نتحدث عن كمال جنبلاط وقبله حماه امير البيان شكيب أرسلان الذين قال لأمتنا “أوصيكم بفلسطين” والقائمة طويلة.. طويلة.
وعودة إلى التعميم الذي ينتهجه البسطاء من أبناء شعبنا، بودّي هنا ان اذكر حقيقة أن من يخدم في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية المختلفة من أبناء الطائفة الدرزية هم 8 % فقط من العرب الذين يخدمون في هذه الأجهزة، زد على ذلك بان الدروز يخدمون اجباريًا في حين ان النسبة الباقيّة من عرب ال 48 تخدم تطوعا، هذه الحقيقة يجب ان يعلمها الجميع، وقد يعلمها البعض ولكن أسهل عليه من كيل الاتهامات تهربًا من مواجهة الحقيقة الصارمة، او انهم يعتقدون أن مناطحة السخل أسهل بكثير من مناطحة الفحل الإسرائيلي الهائج، طبعا المتطوّع المسلم الذي يخدم طمعًا في المال ويدافع عن المستوطنين ممن يقلعون أشجار الزيتون ويعتدون على أهلنا في الأراضي المحتلة وعلى الأماكن المقدسة اسهل عليه الادّعاء بانه من الدروز، وكذلك المتطوع المسيحي ومن يخدم من جيش لحد الهارب من لبنان..
في حديث لي مع الكاتب الفلسطيني جميل السلحوت حدثني بان عندما كان يقارع أحد ضبّاط الاحتلال ممن يتقنون اللغة العربية زعم الأخير بانه درزيًا ولكن الكاتب الفلسطيني كشفه.. ومثل ذلك يعود على نفسه باستمرار، الدكتور نبيه القاسم يدرّج نماذج كثيرة مشابهه في كتابه “واقع الدروز في إسرائيل” مع ذكر الأسماء، وهذا لا يعني بانه ليس هناك جنود دروز يتخطون حدود الادب، نحن لا نبرر جريمة أيّ كان، الجندي الذي يخدم في جيش الاحتلال يمثل الاحتلال ونفسه ليس إلا.
وعودة إلى حقيقة كون كل شريحة فيها ما يكفيها من كافة الاشكال والألوان أذكر انه قبل فترة اقامت لي دار الفاروق للنشر في مدينة نابلس ندوة تكريمية بمناسبة صدور مجموعتي القصصية ” الرقص على الحبال” وهناك شكّك أحد الحضور بدور الدروز وعندها سألته: هل من يضع الحبر السرّي على سيارات الفدائيين لتقصفها الطائرة الإسرائيلية هو درزي او أحد معارفهم الأقرباء.. وهل الّذي منح البيلفون الملغوم للمهندس عياش الذي جنن الاحتلال هو درزي ام خاله؟، الحقيقة أن جميع من كان في الندوة وقفوا إلى جانبي مما دفع السائل إلى الاعتذار، ثم ماذا معنا نحن في المبادرة العربيّة الدرزيّة الّذين نقف إلى جانب أبناء شعبنا الفلسطيني قلبًا وقالبًا، وما من جريمة يرتكبها الاحتلال إلا ونكون إلى جانب أهلنا، يرافق الوفد عدد من أعضاء اللجنة الاسرى المحررين ممن قضوا زهرة شبابهم في سجون الاحتلال، منهم الشيخ أبو صياح كنج عزة من قرية بيت جن، والشاعر صالح قويقس الذي خرج بصفقة مع الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين، والاسير يحيى عطالله، وغيرهم ممن يعرفهم الاسرى الفلسطينيون الذين اكلوا وشربوا معهم داخل زنازين الاحتلال، هل هناك من يزايد على الاسرى؟ ماذا تقولون لنا نحن أعضاء تنظيم المبادرة العربيّة الدرزيّة الذين قضينا فترة شبابنا في سجون الاحتلال رفضًا للمشاركة في الجريمة ودفاعًا عن حق شعبنا في تقرير مصيره لنُلاحق في لقمة رزقنا بعد ان نخرج من السجون؟
وهل طيّب الذكر رائد شعر المقاومة سميح القاسم هو الاخر من الخونة؟ لقد كتب طيّب الذكر في كتابة” لا توقظوا الفتنة” رداً على احد الضّالين: ” هناك فتاوى تدعو لأخذي بالسيف، لا لسبب سوى ميلادي في اسرة درزيّة، اعتز لانتمائي إليها ولا أرى انها بحاجة إلى الاعتذار لاحد، أو استعطاف أحد فأنها من شرف التاريخ وعزة الانتماء ما يكفيها لدحر البذاءات والتطاولات الجاهلية الجديدة (ص 37 ) وكتب مخاطبا سيادة المطران ” بطرس المعلم” أنا شاعر علماني عروبي أممي إنساني من أبناء العشيرة المعروفيّة التوحيديّة العريقة الباسلة كفاحًا وتاريخًا (ص 73) وقد قال في معرض رده على المدعو ” شمعون أفيفي” والذي يزيف التاريخ خدمة للمشروع الصهيوني: ” لا يحق لأحد ان يلومني على احترام المشاعر المذهبيّة للعشيرة المعروفيّة الّتي أعتز بأنها تشكّل احدى حلقات انتمائي الشخصي (ص 118)
أهلنا الأعزاء من المفروض ان نفشل كل مشاريع الاحتلال التي تستهدف الجميع، منهم من استهدفته في الماضي ومنهم من تستهدفه اليوم ومنهم من ستستهدفه لاحقا التزامًا بالمشروع الصهيوني الجهنمي، فتعالوا لنتّحد كي تفوت عليهم أهدافهم العنصرية القذرة التي لا تستثني أحدا، واخيرًا نقول ان الفتنة افعى ” كُبرى” تبتلع كل من يأتي في طريقها، و”الفتنة اشد من القتل” و ” الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها ” كما قال الرسول (صلى الله عليه وسلم).