محمد الأسعد والرحيل في المنفى.. ناقدا وشاعرا وروائيا
بقلم: شاكر فريد حسن
رحل في الكويت الشاعر والكاتب الروائي والناقد والمثقف والمترجم الفلسطيني محمد الأسعد، ابن قرية أم الزينات المهجرة، في قضاء حيفا. نزح محمد مع عائلته وهو في الرابعة من عمره، في عام النكبة 1948، ولجأت أسرته إلى مدينة البصرة في العراق، وهناك تلقى تعليمه، ثم سافر إلى الكويت وأشتغل في مجال الصحافة.
وبعد حرب الخليج انتقل محمد الأسعد للإقامة في قبرص ثم في بلغاريا، بعدها عاد إلى الكويت، وبقي فيها حتى وافته المنية.
جمع الراحل بين موهبة الشعر والكتابة الروائية والنقدية والبحثية والترجمة من اللغة الإنجليزية، وهو من أوائل من قدموا للقارئ العربي شعر الهايكو باللغة العربية.
صدر لمحمد الأسعد في الشعر: “الغناء في أقبية عميقة، حاولت رسمك في جسد البحر، لساحلك الآن تأتي الطيور”.
وفي مجال النقد له: “مقالة في اللغة الشعرية، الفن التشكيلي الفلسطيني، بحثًا عن الحداثة”.
اما في مجال الكتابة الروائية فصدر له: “أطفال الندى، حدائق العاشق، شجرة المسرات، أصوات الصمت”.
عرف محمد الأسعد واشتهر بروايته “أطفال الندى” التي قال عنها أنها تشبه أسطورة، وأسطورة تشبه رواية. فهي تكتب تاريخ الندى، وتدون تجلياته الخالدة داخل المسطورات وخارج حركتها. وتبدأ في سردها من نقطة صلبة وصلدة راسخة تغور في الزمن، هي قريته أم الزينات الواقعة على سفوح جبال الكرمل، التي هجرت منها عائلته إبان النكبة، وتحكي قصة تهجير فلاحي القرية وعوائلهم. وهي رواية تتجاوز إطار السيرة الذاتية الفردية إلى إطار أوسع. فهي ذاكرة قرية من مئات القرى الفلسطينية التي تعرض أهلها للترحيل والتشريد وتم تدميرها ومصادرة أراضيها.
محمد الأسعد شاعر مبدع مطبوع وشفاف، واضح المعاني بأسلوبه وأفكاره الصادقة، التي تدل على حسه المرهف، وتنعكس في قصائده الهموم الفلسطينية والموضوعات الجماعية للفلسطينيين في الشتات ومخيمات الجوع والبؤس والشقاء. فهو مسكون بفلسطينيته حتى النخاع، ويحفل شعره بالصور الحسية والعاطفية، ويُغد شخصية أدبية استثنائية ومميزة من نوعها في الوسط الشعري الفلسطيني.
من شعره:
نشيـدٌ من أجـل أطفـال شـاتيلا
قالوا قصائدهم لأنفسهم
وبقيت َ مشتعلا ً
قالوا مواعظهم لأنفسهم
وبقيت َ محتكما ً
لألواح ٍ من الصلصال ِ
تشبه ُ خبزك َ اليومي ّ
من ألف ٍ ومن ألف ٍ
من السنوات ِ
منذ اليوم ِ أنت َ نشيدنا
ورموزك َ العهد ُ الجديد ْ
يطوي المسافة َ
حكمة ً قروية ً
تتأجل ُ الأزمان ُ فيها
والبنفسج ُ والورود ْ
من قال َ أن الثورة َ الحمراء َ
ترحل ُ باتجاه ِ البحـر ِ
جارية ً تمر ّ على موائدهم ؟
روحي ترف ّ ُ على المياه ِ
لتوقظ القتلى
وعشاق َ الحياة ِ
وشهوة َ الميلاد ِ
من يشهد سوى الشهداء ِ
حتى آخر الأبد ِ الأبيد ْ؟
أنت َ النشيد ُ
وبيتنا الطينيّ
ثوب ُ نسائنا القرويات ِ
لثغة ُ طفلنا
في آخر الوقت ِ الحزين ِ
سويـّة ً نأتي
وننهض ُ للقيامة ِ والحروب ِ
وفي الهزيمة ِ
نستعيد ُ دفاتر َ الإنشاء ِ
نبدأ ُ آية ً
ألف ٌ وباء ٌ
يبدأ التكوين ُ من دمنا
والخلق ُ
ها أحبابنا ذهبوا عميقا ً في النقوش ِ
وفي السنابل ِ
لم يكونوا يملكون تذاكر َ الموت ِ المؤجل ِ
والإقامة َ في الفنادق ِ
منذ أن كنـّا
خُلقنا للرحيل ِ بلحمها
نحن ُ الجذور ُ
وهم سلالات ُ البغايا والغزاة ْ
لقد استطاع محمد الأسعد أن يرسم خطًا شعريًا خاصًا به، وحقق حضورًا ووجودًا كبيرًا على الساحة الشعرية والنقدية والروائية، وفي مجال تحديث الخطاب الشعري الفلسطيني الحديث. ويمكن القول بثقة، إن تجربته الشعرية تمثل ريادة حقيقية في الشعرية الفلسطينية في الشتات والمنفى، وهو من الأصوات الفنية النقية الصافية المعبرّة عن الجرح والهم والوجع الفلسطيني ومأساة الإنسان الفلسطيني المهجر.
رحل محمد الأسعد وترك لنا تراثًا عزيرًا من إبداعاته الراقية في عالم الشعر والأدب والسرد الروائي. فله الرحمة، ولتكن ذكره طيبًا عابقًا كميرامية أم الزينات.