التجريب في الرواية النسوية العراقية.. الناقد سعيد حميد كاظم أنموذجا
د. عبد المالك أشهبون | المغرب
حفريات عميقة في تجليات التجريب الروائي
عادة ما نقرأ هذا الكتاب النقدي أو ذاك، وهاجسنا الأساس هو البحث عن الجديد الذي يتضمنه هذا الكتاب، والذي يشكل قيمة نوعية مضافة بالنظر إلى ما هو موجود في المشهد الثقافي، حيث نعني بالجدة في النقد إعادة توجيه رؤية الناقد لزاوية النظر، نحو إشكالات لا تكون موضوع اهتمام نقدي قوي ومنتشر من قبل. فالجدة هي أعز ما يطلب في مجال البحث العلمي. فكم مرة يخيب أفق انتظارنا ونحن ننهي القراءة بدون أن نظفر بسمات الجدة والفَرادة والتميز في هذا العمل أو ذاك.
مناسبة هذا الحديث، قراءتنا الأولية لكتاب الناقد العراقي بعنوان “التجريب في الرواية النسوية العراقية، بعد 2003” (عن منشورات تموز بدمشق 2016). فهل يا ترى يحمل هذا الكتاب النقدي من علامات التميز والتفرد ما يبرر وصفه بكونه كتابا نقديا فيه جدة؟
يُعَدُّ سعيد حميد كاظم من الباحثين المتمرسين، والنقاد التواقين إلى البحث عن الزوايا الظليلة في نقدنا العربي المعاصر، فهو لا ينطلق في رؤيته النقدية من الاستخفاف بمقتضيات الكتابة النقدية ولا باشتراطاتها؛ إذ إن قراءة أولية للكتاب، تتيح للقارئ الحصيف القبض على جملة من العناصر التي ترتقي بهذا الكتاب إلى مستوى الكتاب الأكاديمي الذي لا تخلو صفحاته من حفر عميق في المشهد الروائي العربي.
بعد قراءتنا الأولية لهذا الكتاب النقدي المتميز، نسجل ــــ باطمئنان ــــ أنه من حسنات هذا الكتاب، مزاوجته المرنة والسلسة بين ما هو نظري وما هو تطبيقي، حيث خاض الباحث في مقاربة بنيات هذه الروايات العراقية النسوية الخارجيّة والدّاخليّة؛ كما توقّف عند أهمّ تجليات التجريب من خلال خصائص السّرد وطبيعة الشّخصيّات ومستويات اللّغة وتعدد الرّموز، حيث نظر في الثّابت والمُتحوّل في هذه النصوص المدروسة قبل أن ينظر في دلالاتها الفكريّة وعناوينها الكبرى من شاعرية ونسيج فني، ومظاهر تجديدية، بحيث يدل كل هذا وذاك على مقدرة عالية لدى الباحث على تمثُّلِ جوانبِ الموضوع المطروح من زوايا نظرٍ متنوعة ومتعددة، أغنت أطروحة الكتاب وأثْرَتْه… كما أنه من إيجابيات هذا الكتاب، كذلك، أن الناقد كان حريصا على الإجابة عن سؤال التجريب في الرواية النسوية العراقية: فهل هذه الروايات تجريبية في بنائها أم في موضوعها أم فيهما معاً؟ وهنا ـــ وفي سبيل الإجابة ـــ كان الناقد يقدم لنا تلخيصا لما يدور في الرواية، وبعدها يحلل مكونات العالم الروائي، مستخرجا بعد ذلك عناصر التجريب المبثوثة في هذه الروايات، ومبينا الأثر الجمالي الذي نتج عن التجريب في معمار الرواية النسوية العراقية: شكلا ومضمونا؛ ولأنه ببساطة كل تجريب يصب عادة في إنتاج رواية جديدة، تنسج نسيجها الفني على غير ما هو مألوف أو متداول.