الانقلاب الأممي على إرادة الشعب بعد مباركتها
إبراهيم محمد الهمداني | اليمن
يمكن القول إن ثورة الـ٢١ من سبتمبر، وماتمخضت عنه، على الصعيدين العسكري والسياسي، كانت فعل الضرورة، الذي لم يكن منه بدٌ، ونافذة الخلاص الوحيدة، والحل الأخير والوحيد، لإنقاذ الوطن من عواقب الانفلات الأمني، ومخاطر الاختلال الإداري، والفساد المالي، والفراغ السياسي، وانتشاله من براثن الوصاية، ومؤامرات ومخططات السفارات الخارجية، التي أوصلت الحوار الوطني والوطن إلى طريق مسدود، واستهدفت كل مقومات القوة والوحدة والأمن، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً واجتماعياً و…. إلخ، ثم قامت بتنشيط وتفعيل أدواتها الإرهابية المتطرفة – القاعدة وأخواتها – لإسقاط الشعب اليمني بالضربة القاضية، جاعلة من شماعة الإرهاب ومزاعم محاربته، وسيلتها المُثلى لتحقيق أهدافها، التي عجز عملاؤها السياسيون – في الحوار – عن استكمال تحقيقها، فاتسعت لذلك مساحة تحرك تنظيم القاعدة، حيث امتد من عمليات الاغتيالات الفردية اليومية، الواسعة النطاق جغرافياً واستراتيجياً، في ظل عجز تام للأجهزة الأمنية، التي أصبح أفرادها ومنتسبوها ضمن بنك أهداف القاعدة، وصولاً إلى عمليات حرب العصابات والضربات الخاطفة، التي وصلت إلى استهداف مجمع العرضي في قلب العاصمة صنعاء، بتخطيط وإشراف أمريكي، وتواطؤ رسمي من الفار عبد ربه منصور هادي – الذي كان يشغل منصب الرئاسة آنذاك – ومعظم أعضاء حكومته، إن لم نقل كلهم، ليعلن بذلك تنظيم القاعدة عن حضوره، كقوة عسكرية لا يستهان بها، وتنظيم سياسي له كيانه الخاص، ويجب الاعتراف به واستيعابه، وهو ماتم طرحه في مؤتمر الحوار الوطني، من قبل الدول الراعية للمبادرة الخليجية، من أن أفراد هذا التنظيم هم جزء من نسيج المجتمع اليمني، ولهم رؤيتهم ومطالبهم، ولذلك وجب استيعابهم، ضمن المكونات السياسية المنخرطة في الحوار الوطني، ولا يخفى على أحد مافي هذه الخطوة من خبث سياسي، وما تحمله من أبعاد وأهداف استراتيجية، تخدم المشروع الإمبريالي الصهيو أمريكي، وتسعى إلى جعل اليمن – أرضا وإنسانا – مساحة مفتوحة لحرب إقليمية لا نهائية الأجل، وتصفيات عرقية ومذهبية وطائفية، على يد تنظيم القاعدة، بعد تمكينه من الحكم، من خلال تهيئة الظروف والمجتمع للقبول بذلك، حيث أوعزت أمريكا لأدواتها الخفية، ومايسمى بالإعلام المحايد، والناشطين الحقوقيين والسياسيين التابعين لها، بتقديم منتسبي تنظيم القاعدة على مسارين متوازيين، الأول بوصفهم أصحاب قضية ومظلومية، شأنهم شأن الحراك في الجنوب، والحوثيين في الشمال، والثاني بوصفهم قوة عسكرية، لها حضورها وقدرتها على السيطرة، وبسط النفوذ، وتلك الصورة من القوة قد منحت الأبواق الإعلامية والناشطين الجرأة على القول – تصريحاً أو تلميحاً – إن دمج هذا التنظيم واستيعابه، سيخفف من حدة تطرفه، الناتجة عن القمع والكبت والنبذ والعزلة، وبعد ذلك سيكون توليه الحكم مطلباً شعبياً، وعليه تنعقد صناعة المستقبل المشرق.
ذلك وغيره ماسعت إليه الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني، عبر أدواتهما المحلية تارة، وعبر الأمم المتحدة بمختلف منظماتها ومؤسساتها وأجهزتها تارة أخرى، وما عجز عن بلوغه سفراء الدول الاستعمارية – أمريكا وبريطانيا و فرنسا وغيرها – بادرت الأمم المتحدة إلى تحقيقه، من خلال ما يسمى مبعوثها أو ممثلها أو مندوبها، ليقوم بطرحه وفرضه كرغبة أممية، تعبر عن إرادة المجتمع الدولي، وتحقق غاياته، وتؤكد حرصه على وحدة الوطن والشعب، وعند ذلك لا تملك الأطراف السياسية في الداخل، إلا القبول والإذعان لرؤية الأمم المتحدة وطروحات مبعوثها، محذرين من العواقب الوخيمة للرفض، وتلك هي إحدى وسائل الهيمنة الاستعمارية، في أوضح صورها، وأقبحها على الإطلاق.
ولكن…. من هو المبعوث الأممي، ومن هي الأمم المتحدة؟!
لا يتغيا هذا السؤال معرفة المبعوث الأممي، في تموضعه الوجودي، وتمثله الشخصي، المتعين بتحديد الاسم والنسب والمكان، الذي ينتمي إليه، والفكر الذي يحمله، والاعتقاد الذي يؤمن به، ورغم أهمية الفكر والاعتقاد، إلا أن الهوية الشخصية لا تعنينا، بقدر ما يعنينا، ويهمنا التعرف إليه وعليه، من خلال تموضعه الوظيفي، ومدى حضور هويته الإنسانية الجامعة المحايدة المزعومة، التي يفترض أن تكون حاضرة تلقائياً لديه، نظراً لكونها أساس هوية وطبيعة الكيان – الأممي الموحد – الذي ينتمي إليه ويمثله ويصدر عنه.
لذلك لا فرق أن يكون ذلك المبعوث الأممي، جمال بن عمر، أو ولد الشيخ، أو مارتن غريفيث، أو…. أو غيره، لأن تعدد الأسماء لا يؤثر على طبيعة الدور المحدد، وواحدية الوظيفة المرسومة سلفاً، وبما أنه مبعوث الأمم المتحدة، فهو تابع لها بالانتماء، ملحق بها بالإضافة، مايعني أنه جزء منها، يمثل طروحاتها ويرعى مصالحها بشكل رئيس، ويجسد حضورها المهيمن ورؤيتها الخاصة، عند مقاربته لحل الصراعات والنزاعات والمشاكل الداخلية لأي بلد، ولذلك – عادة – لا غرابة أن تأتي تلك الحلول، على شكل إملاءات خارجية، لا تعالج المشكلة الحاصلة، ولا تخدم مجتمع الصراع والنزاع، إلَّا بمقدار ما تخدم مصالح الأمم الاستعمارية المتحدة، التي تسعى إلى إطالة أمد الصراع، وتوظيفه في قنوات وقوالب ومسميات متعددة ومتجددة، ولذلك سرعان ما يفشل أولئك المبعوثون الأمميون، وحين تصرخ الشعوب في وجه فشلهم، وعجزهم وخيبة مسعاهم، تبادر الأمم المتحدة بتغييرهم، لتوهم الشعوب أن الفشل ناتج عن شخص المبعوث وكامن في ذاته، ولا علاقة لها بأسباب ذلك الفشل، متنصلة من تداعياته ومخاطره الكارثية على المجتمعات، جاعلة من تغيير المبعوث وسيلة لتبرأة ساحتها، وخداع الشعب بنبل مقصدها، وتعليقه بأمل كاذب، ووهم زائف، يحول بينه وبين التوجه نحو الحسم العسكري في الجبهات، وهذا من شأنه إطالة أمد الصراع، واللعب على استراتيجية النفس الطويل، حتى يصل الشعب إلى حالة متقدمة من الانهيار، والعجز عن مواصلة المقاومة والصمود، وحينها يطرح المبعوث الأممي شروط الاستسلام على الشعب اليمني، ليحقق بذلك المبعوث الأممي، من خلال الدبلوماسية والمفاوضات المزعومة، ما عجزت عنه قوى تحالف العدوان في ميادين المواجهة العسكرية.
وهو الأمر الذي لم تغفل عنه القيادة الثورية والسياسية، ورغم ذلك كان تعاطيها مع المبعوث الأممي إيجابياً إلى أبعد الحدود، لكنها في نفس الوقت، لم تعول على تلك المفاوضات، وعلى دور الأمم المتحدة، لمعرفة القيادة في صنعاء، أن الأمم المتحدة لا تعدو كونها ذلك الكيان الاستعماري الإمبريالي الغاصب، الذي يُعد العدو الأول للشعب اليمني، والراعي الرسمي للعدوان على اليمن، من أجل إخضاعه، وإعادته مرة أخرى، إلى حظيرة الطاعة الإمبريالية، ليسهل بعد ذلك تحقيق المشروع الاستعماري الصهيوأمريكي، في منطقة الوطن العربي، وتكريس الكيان الصهيوني الغاصب سيداً على المنطقة دون منازع.
ومادام قد عُرف السبب الحقيقي لانقلاب الأمم المتحدة على ثورة الشعب اليمني، التي باركتها سلفاً، وأشادت بسلميتها وشعبيتها وأخلاقها وعظمتها، وهذا يبطل العجب، وتتضح حقيقة الأمم المتحدة الاستعمارية، ومبعوثها المنفذ لسياساتها ومشاريعها وتوجهاتها، وتتجلى في المقابل حكمة وحنكة القيادة الثورية الربانية، والقيادة السياسية المخلصة، في تفويت الفرصة على الأمم المتحدة، وإفشال مخططات التآمر العالمي على كافة المستويات.