هل عدوى كورونا المستجد حرب بيولوجية؟ الدليل العلمى

د. فيصل رضوان| أستاذ وباحث التكنولوجيا الحيوية والسموم البحرية. الولايات المتحدة الأمريكية

بغض النظر عن مصدر معلوماتك عبر الإنترنت هذه الأيام، المؤكد أنه هناك نقاش محير حول مرض فيروس كورونا المستجد (COVID-19). الكثيرون يدعون بشكل قاطع أن هذا الوباء تم تصميمه في مختبر أسلحة بيولوجية وتم إطلاقه عمداً لجعل الناس مرضى حول العالم.

تكشف دراسة حديثة ومن خلال أدلة علمية حقيقية ان هذه الادعاءات خاطئة، وأن كورونا المستجد هذا قد نشأ بشكل طبيعي.

هذه الدلائل القوية هي نتيجة التحليلات الجينومية التي أجراها فريق بحث دولي ، بدعم جزئي من المعهد الوطني الأمريكي للصحة NIH وتم نشره في مجلة Nature Medicine بقيادة كريستيان أندرسن بمعهد سكريبس للأبحاث الشهير Scripps Research Institute بكاليفورنيا ؛ وروبرت جاري ، كلية الطب بجامعة تولين Tulane University School of Medicine بنيو أورلينز ؛ واستخدم زملاؤهم أدوات معلوماتية حيوية معقدة bioinformatic tools لمقارنة البيانات الجينومية المتاحة والمعلنة من العديد من الفيروسات التاجية coronaviruses، بما في ذلك هذا الفيروس الجديد الذي يسبب COVID-19.

بدأ الباحثون مقارنة أجزاء جينومات الفيروسات التاجية التي تشفر بروتينات الشوكة Spike التي تمنح هذه العائلة من الفيروسات مظهرها المميز الذي يشبه التاج. (بالمناسبة ، “كورونا” كلمة لاتينية معناها “التاج”). وتعتمد جميع الفيروسات التاجية على بروتينات الشوكة هذه للارتباط بخلايا العائل لغرض اصابتها.

ولكن مع مرور الوقت ، قام كل فيروس تاجي بتصميم هذه البروتينات بشكل مختلف قليلاً عن الاخر، ويتم اضافة هذا القرائن التطورية evolutionary clues في جينوماتها (تتتابع حامضها الوراثى).

تظهر البيانات الجينومية فيروس كورونا المستجد المسؤول عن COVID-19 أن بروتين الشوكه به يحتوي على بعض التعديلات الفريدة عن اقرانه. يوفر أحد هذه التكييفات قدرة خاصة لهذا الفيروس على الارتباط بمستقبل بروتيني معين على الخلايا البشرية يسمى إنزيم تحويل الأنجيوتنسين (ACE2)، وهذا الارتباط يتم بشكل أفضل كثيرا مقارنة بفيروس المتلازمة التنفسية الشهير (سارس). ذلك رغم أن نماذج الكمبيوتر الحالية توقعت أن كورونا المستجد لن يرتبط بـ ACE2، ولكن من المدهش حقا أن الباحثون تأكدوا أن بروتين الشوكة لكورونا المستجد طور ارتباطه بشكل أفضل بكثير من توقعات الكمبيوتر ——على الأرجح بسبب الاختيار الطبيعي natural selection على ACE2 الذي مكّن الفيروس من الاستفادة من موقع ربط بديل غير معروف سابقًا.

قال الباحثون إن هذا يقدم دليلاً قوياً على أن الفيروس الجديد لم يكن نتاجًا للتلاعب في المختبر. في الواقع ، فإن أي مهندس تكنولوجيا حيوية يحاول تصميم فيروس تاجي حديث يقتل به الملايين من البشر، ربما لم يكن ابداً ليختار هذه الصيغة المحددة لبروتين الشوكة.

وواصل الباحثون تحليل البيانات الجينومية للفيروس الجديد وهى العمود الفقرى للبناء الجزيئي له. أظهرت هذه البيانات أن العمود الفقري لجينوم كورونا المستجد ايشبه إلى حد بعيد الفيروس التاجي المكتشف فى الخفاش وذلك بعد بدء جائحة COVID-19. ومع ذلك ، فإن المنطقة التي تربط ACE2 تشبه تلك المنطقة فى فيروس اخر تم العثور عليه في حيوان البنجولين pangolins وهو حيوان غريب المظهر يسمى أحيانًا آكل النمل المتقشر. يوفر هذا دليلًا إضافيًا على أن الفيروس التاجي الذي يسبب COVID-19 يكاد يكون من المؤكد أنه نشأ في الطبيعة.

إذا كان الفيروس التاجي الجديد قد تم تصنيعه في أحد المختبرات كما يدعى البعض، لكان من السهل على العلماء —على الأرجح، استخدام نفس العمود الفقري الجينومى للفيروسات التاجية المعروفة بالفعل بأنها تسبب أمراضًا خطيرة في البشر واضافة تحديثات طفيفة —ولكن يبقى التوقع بنجاحه شئ مستحيل.

إذن ، ما هو الأصل الطبيعي natural origin للفيروس التاجي المستجد والمسؤول عن جائحة COVID-19؟ ليس لدى الباحثين حتى الآن إجابة دقيقة. لكنهم يقدمون سيناريوهين محتملين.

السيناريو الأول: تطور الفيروس التاجي الجديد في مضيفاته الطبيعية من الخفافيش أو البنجولين ، وتحورت بروتينات الشوكة (mutation) لترتبط بشده بجزيئات مشابهة في مستقبل بروتين ACE2 البشرية ، وبالتالي تمكنه من الإصابة. يبدو أن هذا السيناريو يقدم تشابهًا كبيرا مع الفيروسات التاجية المعدية الأخرى ، مثل السارس SARS ، التي نشأت من الزباد civet هو حيوان يشبه القطط ؛ ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (MERS) التي نشأت من الإبل.

السيناريو الثاني هو أن كورونا المستجده قد تمكن من العبور من الحيوانات إلى البشر قبل أن يصبح قادرًا على التسبب في المرض. ثم حدثت تغيرات تدريجية على العمود الفقرى الجينومى على مدى سنوات أو ربما عقود ، اكتسب فيها الفيروس في نهاية المطاف القدرة على العدوى من إنسان إلى آخر والتسبب في أمراض خطيرة تهدد الحياة.

في كلتا الحالتين ، لا تترك هذه الدراسة مجالًا كبيرًا لدحض أصل تطوره طبيعي لـ COVID-19. وهذا أمر جيد لأنه يساعدنا على مواصلة التركيز على ما يهم حقًا: مراقبة النظافة الصحية الجيدة ، وممارسة التباعد الاجتماعي ، ودعم جهود جميع المتخصصين في الرعاية الصحية والباحثين المتفانين الذين يعملون بجد لمواجهة هذا التحدي الكبير للصحة العامة .

***

يمكنكم أيضا قراءة مقال آخر فى هذا الموضوع منشور حديثا بالعربية لعالم المناعة المعروف الدكتور محمد لبيب سالم أستاذ المناعة بجامعة طنطا- مصر (https://bit.ly/2UNI1PX)

Reference:

F Collins. Genomic Study Points to Natural Origin of COVID-19, NIH BLOG.

https://bit.ly/2QSUyjM

Andersen KG et al. The proximal origin of SARS-CoV-2 A. Nat Med, 17 March 2020.

https://go.nature.com/2wIODH2

FEMA Coronavirus Rumor Control

https://bit.ly/3busOcY

 

 

 

 

1

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى