رحلة في الجنوب اللبناني قامت بها: وفاء كمال (1)

سحمر قاع الدم الأول

بطاقة تعريف:
” سحمر ” قرية من قرى قضاء البقاع الغربي في لبنان تقع جنوب بحيرة القرعون ويفصل بينها وبين سهل مشغرة نهر الليطاني . وقد احتلتها اسرائيل في العاشر من حزيران 1982
وهي تشكل العصب الأساسي لمنطقة المزارع وقرى ( زلايا ،قليا ،يحمر ، الدلافة ). وشكلت أحد المعاقل الرئيسية الهامة للعمل الوطني رفضاً للاحتلال ومقاومة له.

واستعصت عليه وعلى محاولاته في خرقها بما يسمى ” جيش لبنان الجنوبي “فشكلت بذلك ركيزة مع بعض القرى والمواقع الوطنية الأخرى في البقاع الغربي وراشيا حالة نهوض وطنية واسعة من خلال موقعها الجغرافي الذي يعتبره الاحتلال خطاً أحمر ، وهو خط ” وادي مشق “الذي حولَته القوات العسكرية إلى خط عسكري استراتيجي مستفيدة من سلسلة التحصينات التي كان قد أقامها مجلس الدفاع العربي المشترك أواسط الستينات .
وسحمر بلدة زراعيةيتجاوز عدد سكانها 8000 نسمة .وهي البلدة الأكثر سكاناً في قرى المزارع ولكن أهميتها لم تنبع من زراعتها ومحترفاتها بالأصل . بل بمساهمتها في المعركة الوطنية . وعزمها على مقارعة الاحتلال .وليست رواية ” سحمر قاع الدم الأول ” التي ستقدمها الروائية “وفاءكمال الخشن” ابنة هذه القرية ،سوى نقل لجزء ضئيل من بطولات وتضحيات أهلها بكافة أطيافهم ونسائهم ورجالهم وأطفالهم
فقد نذرت سحمر دم أبنائها على كل الجهات .حتى تمكنت من دحرالصهاينة والعملاء عن أرضها الطاهرة .

الإهداء:

إلى التغضنات التي رسمها الزمن تواقيعاً على جبهة أبناء جنوب لبنان شهادة صمود في وجه حياة لاترحم .
_ إلى العالم المصغر الذي يسكنني أينما حللت : قريتي ( سحمر ) ،التي ساهم أبناؤها فيما مضى بكل أطيافهم بمعركة التحرير الوطني . وملأوا دروبها بالشهداء.
_ إلى روح أبي (كمال عبد اللطيف الخشن) الذي قال لي ذات يوم : لو نزلتِ اليوم عن المنبر بسبب خلافاتهم . فلابأس ان تكوني على الأرض .دون أن تفقدي أجنحتك . كوني مع أهلك وأ رضك . فالكنز في بطن الأرض, يمتزج فيه النفط بالدم .
كافحوا من أجل حقكم بالكنز . من أجل حقكم بمياه النهر .فقددقت ساعة الصفر
***
كثيرا ماكنت أذهب بعد حلول الفجر سيراً على الأقدام نحو كَرْمنا القريب من النهر . ثم اتجه نحو الماء متعمشقة على الصخور, وأنزل وعلى ظهري حقيبة فيها قارورة ماء وشطيرة مدهونة بالزيت والزعتر .وكتاب للمطالعة .وحين أصل اجلس في مكان هادئ قرب جدول صغير متفرع عن النهر . وحين تصطحبني شقيقتي الصغرى “ريما ” نتجرأ أن نتابع السير بين الأشجار حتى نصل إلى” كهف الحمام “. وقد حملت كل منَّا عصاها.
وكثيراً مانضحك على أنفسنا ونحن نقف على بعض الآثار الرومانية التي برزت على السطح بالكاد . فالمدرَّج الروماني كانت درجاته بارزة بعض الشيء .مازالت بحاجة لبعثات أثرية لاستكشافها .كنتُ أجلس على تلك الدرجات وتقف شقيقتي ريما مقابلي وتقوم بالتمثيل الذي كثيراً مابرِعَتْ به حينما كانت طفلة لدرجة جعلت القيمين على برنامج ستديو (91) في التلفاز السوري يتعاقدون معها ومع شقيقي الأصغر لتقديم بضع حلقات كوميدية ناقدة ساخرة يكتبها شقيقي الأكبر” أحمد راتب ” .
انتابت ريما نوبة من الضحك حين وضعْتُ على رأسي تنكة صدئة وأخذتُ أُمَثِّل دور الملكة الرومانية “جوليا دمنا ” فأحتضن صخرة صغيرة على أنها ابن الملكة وريما تمثل دور ” كركلا ” الذي يريد قتل شقيقه الآصغر ” غيتا ” وأمه جوليا تمنعه . فرفعت ريما العصا وضربت التنكة عن رأسي لكنها أصابت عيني دون قصد كادت أن تفقأها. فبدأت دموعي تسيل من الضربة والضحك معاً ،رغم الألم الذي انتابني . فقالت ريما : (شو مْفَكْرِه حالك ..معي سيف ذو الفقار بيلعن إخت أكبر وَحْدِه بروما) .. وكان لتلك العبارة وقعها المضحك بنفسي .لأنها كانت مرتبطة بحادثة قديمة جرت مع والدي عندما كان مشرفا في نادٍ رياضي .. كان نائب مديره المدعو ” أبو علاء ” رجلاً غنياً قصيراً وبطيناً ذا ملامح حادة ورأس أصلع . وقد بدأت تظهر عليه بعض الأعراض النفسية والتصرفات الغريبة المفاجئة التي لاتليق به كنائب للمدير العام .كان أولها حين وضع والدي قطعة حلوى من ( المعمول) قرب الهاتف فكوَّم ” أبو علاء ” قبضته فوقها وسحبها على مرأى من والدي ثم نادى أبي للاجتماع مع بقية أعضاء النادي للتداول بالشؤون الهامة .فافتتح الإجتماع بقصة الإمرأتين اللتين احتكمتا للقاضي بسبب طفل تدَّعِي كل منهما أنها أمه . كان الجميع ينظرون نحو ” أبي علي ” باستغراب إذ أن الإجتماع لم يكن مناسباً لطرح تلك القصة . لكنه ظل يتابع غير مبال لنظرات وانتقادات الأعضاء .ثم توجه نحو والدي قائلاً : (شوف ياكمال ماأعظم الإمام علي عليه السلام!! , رفع السيف ووضع الولد قبالة المرأتين وقال لهما :(شوفي لك بنت الكلب منك إلها …معي سيف ذو الفقار بيلعن إخت أكبر وحدة فيكن ..وكان بدو يقطع الولد نصين .قامت ام الولد الحقيقية قالتله ببوس مؤخرتك يامولانا لاتقطعوا ) .
ركضتُّ أمام ريما وانا مسترسلة بالضحك حيث تذكرت تلك الحادثة. التي كان يسردها علينا أبي وهو يضحك .لكنه كان بعدها يبدي حزنه لما آلت إليه أحوال ذلك الرجل الذي كان من أطيب أعضاء النادي خلقاً وأكثرهم مراعاة لوضع أبي
يتبع ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى