خطاب عباس في الأمم المتحدة: تحول، أم تناقض بالمواقف؟
بقلم : عصري فياض
كغيري،تمسمرت أمام التلفاز لاستمع بتركيز لخطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن المسجل أمام هيئة الامم المتحدة في دورتها السادسة والسبعين، ورغم خطأ رئيسة الجلسة التي قدمت الرئيس في البداية بأنه الكلمة الان لرئيس “اسرائيل”، وما تلا ذلك من دربكة أخرت البث لبعض الوقت، حتى انها كادت أن تأتي برئيس آخر، ثم تعود إليه،لفتني بدأ كلمته باستعراض ما جرى للشعب الفلسطيني إبان النكبة، وحق الفلسطينيين في العودة لاملالكهم وأرضهم التي هجروا منها، وأنه واحد منهم ، وإبرازه لأوراق ملكية لأرض اباءه وأجداده في صفد، وإسقاطه كلمات تعود عليها في خطاباته السابقة عندما كان يذكر هذا الحق كان يقول” حل عادل متفق عليه لقضية أللاجئين”، بل أنه عبر لوفد شبابي ” إسرائيلي” ذات مرة قائلا : “لن نغرق بلادكم باللاجئين”، كما عبر خلال لقاء متلفز مع قناة عبرية “صحيح أنه يملك ارض في صفد،لكنه قد لا يعود اليها”، وقوله لوفد إسرائيلي زاره في رام الله : “أن إسرائيل وجدت لتبقى”، فإذا كانت العودة للسبعة ملايين فلسطيني لأرضهم التاريخية حق مطلق و ملزم للاجئين الفلسطينيين ،فهذا يناقض بقاء “إسرائيل” كدولة ذات اغلبية يهودية، ويناقض تصريحاته ببقاء “إسرائيل”، فهل هذا تحول في الموقف في هذا الثابت، أم انه تناقض واضح؟؟
الامر الآخر عبر عن إمكانية الانتقال لقرارات أخرى من القرارات الصادرة عن مجلس الامن وهيئة الامم المتحدة والمطالبة بتفيذها، وهو القرار 181، قرار التقسيم الصادر عن هيئة الامم المتحدة في العام 47، والذي قسم فلسطين لدولتين ، الاولى يهودية على نسبة 56% من ارض فلسطين التاريخية، والثانية فلسطينية على نسبة 44% من أرض فلسطين الداخلية، والقدس عاصمة دولية لكل الديانات،وفي نفس الخطاب لام العالم والهيئات الدولية على عدم تنفيذ قرارات الامم المتحدة المتراكمة والكثيرة الخاصة بقضية فلسطين منذ ثلاثة وسبعون عاما،فالقرارات 242 و338 الخاصان بالاراضي العربية المحتلة منذ العام 1967، لم يعد المجتمع الدولي يذكرهما أو يعود لهما، وهما يتيحان اقامة دولة فلسطينية على ما نسبته 22% من فلسطين،فهل نسبة 44% سيتعامل معها المجتمع الدولي كإمكانية أسهل في ظل واقع المواجهة بين حكومة الاحتلال وجيشها ومستوطنية والشعب المحتل شعب فلسطين المحكوم بمقاومة شعبية سلمية ؟؟، وأي وسيلة ستقنع العالم والرباعية الدولية بالعمل والتعامل مع هذا المطلب الفلسطيني، وقد عجزوا عن جر ” إسرائيل” لمجرد التفاوض على ما تبقى من أرض الضفة ولم يمارسوا أي عقبات ضدها بالرغم من ضربها الهائل والمتواصل بالاعراف والشرائع الدولية ؟؟
ثم الاهم في الخطاب كان ما قاله الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأنه يمهل الاحتلال عاما لتنفيذ إنسحابه من الاراضي الفلسطينية المحتلة، في الوقت الذي لم تفلح سنوات التفاوض السبعة وعشرين من إجبار ” إسرئيل” على تنفيذ الاتفاقيات التي وقعت عليها بنفسها رسميا أمام العالم وأمام ضمانات دولية ورعاية أكبر دول العام وهي الولايات المتحدة الامريكية، بل حطمت ” إسرائيل” كل ما بني على أوسلو،وضاعفت الاستيطان والقضم والتهويد،وتوغلت في الدم الفلسطيني أكثر، واعلنت بمساعدة الرئيس الامريكي السابق ترامب القدس عاصمة موحدة وابدية لها، ولم يستطيع الرئيس الامريكي الجديد بايدن نقض هذا الاعلان،بل أن الالف من المستوطنين يزحفون بشكل يومي لاقتحام الاقصى تمهيدا لاقتسامه زمانيا ومكانيا،تمهيدا لهدمه وبناء الهيكل المزعو بل أن حكومة ” اسرائيل” عطلت إجراء الانتخابات بالقدس كتنفيذ لمفهوم كونها عاصمة لهم كما يدعون، وتسعى لهدم وتهجير الاحياء في القدس كتنفيذ لساسية التطهير العرقي، ثم ما هي الالية التي ستجبر ” إسرائيل” المنتشية بقوتها، المتصلبة بقاعدتها اليمينية المتعاظمة، أن تلبي نداء الرئيس أبو مازن،وترضخ لطلبة،وهو لا يزال متمسك بالمقاومة الشعبية السلمية المتناثرة هنا وهناك، ورفضه لاستخدام المقاومة المسلحة لغاية الآن، بل إبقاءه على التعزيز الامني “المقدس” وتعزيزه؟؟بل أنه قدم كل ما يمكن ان يطلب منه كرئيس للسلطة الفلسطينية من أجل إنجاح التفاوض مع الادارة الامريكية الجديدة والدول الاوروبية من منطلق إثبات حسن النية وتمسكه بالسلام وبحثه الدؤوب عن التفاوض مع الحكومة ” الاسرائيلية ” بالرغم من أن تلك الحكومات وعلى لسان رئيسها اليميني ” نفتالي بينت” اطلقت في وجهه اللاءات الثلاث : لا لقاء بين بينيت وابو مازن، لا تفاوض، لا حل”.؟؟
ثم أن قاله في الخطاب وهو إمكانية اللجوء لحل الدولة الواحدة،بمعنى أن يعيش الشعب اليهودي والشعب الفلسطيني في دولة واحدة بحقوق متساوية وبنظام ديمقراطي، وهذا لن يقبل من الطرف ” الاسرائيلي” بسبب أن الجانب “الاسرائيلي” يعتبره إنتحار ديمغرافي يشبه العودة الكاملة للاجئين، وسيقضي على يهودية الدولة،لأن مجموع الفلسطينيي في الوطن والشتات والذين سيعودون لديارهم،أو لفلسطين التاريخية سيكون أكبر من عدد اليهود، وبالتالي وحسب نظام الحكم الديمقراطي ستصبح فلسطين محكومة بحكومة ذات اغلبية فلسطينية واقلية يهودية، ،فكيف يوافقون على فناء “دولتهم” ديمغرافيا، وهم يعتقدون أن الفلسطينيين والعرب غير قادرين على فنائها عسكريا؟؟
إن ما طرحة الرئيس محمود عباس كبير وخطير،لأن تحقيقه يتطلب قلب الموازين، وإيجاد قوة ضاغطة على الارض،تجبر ” الاسرائيلي” على التراجع عن خياراتها وجبروتها تحت وطئة الضغط الشديد،فهذه الافكار لا تحققها شرعية دولية وقرارات أممية، بل ثورة مسلحة شاملة، تلقى الدعم من المحيط والعمقين العربي والاسلامي،لا يبدو ان الرئيس عباس وقيادة م ت ف ستنتقل للتحضير لها أو خوضها أو العمل من أجلها،وما أظنه إلا تلوح بخيارات لا تتوافق مع السياسات المتبعة على الأرض،وهي لغة قد تقلق البعض خاصة الولايات والمتحدة والدول الغربية ، وتحثهم على رفع سماعة الهاتف للاستفسار عن التصريحات،عندها قد يتم التوصل لهدف وحيد وهو حث الجانب ” الاسرائيلي” على ترك العناد جانبا، وتلبية الرغبة الفلسطينية في فتح مرحلة جديدة من التفاوض، حتى يسجل حالة كسر الجمود ألسياسي وفتح ثغرة في الافق السياسي المغلق منذ سنوات، فهذا ليس تحولا، لان التحول يحمل أحمال الانتقال العملي من مرحلة لمرحلة أخرى مضادة،يتم التحضير لها افقيا وعموديا، شعبيا وتنظيميا،عربيا واقليميا، دوليا وعالميا حتى يتم زحزحة الحالة، وحصول أفق جديد يجبر الاحتلال على الرضوح والقبول على الاقل الحد الادنى من الثوابت الفلسطينية، إنما برأيي كان إعلاء للنبرة، او مناورة سياسية تكسر حالة الملل التي وجدت نتيجة اهمال العالم لأكبر واخطر قضية إحتلال بقيت على وجه الارض.