قلب افتراضي ( قصة قصيرة )

مجدولين الجرماني | سوريا

كم من الشوق تعذر وصوله

فالطرقات مغلقة

والسفر ممنوع

وأنا هنا أمد يدي للحزن

لعلي انتشله لفرح آت

مسافات الجغرافيا لا تعنيني

بل مساحات القبل المسروقة

والعناق الذي لا يحمل جواز سفر

تمتلىء صفحاتك بالصور

باردة تلك الأحاسبس ومؤلمة

لم لا تصرخ بي أن أعود أليك

سامر مهاجر منذ نعومة أظفاره تعلم العمل بحقبة باكرة من الحياة المريرة في أسرة كثيفة العدد اختيرت له زوجة قريبة من والدته لمعتقدات تقطن بداخلها منذ أن ذهب للمهجر والآن بات يمتلك المهر المناسب فلم لا يتزوج ابنة أخيها؟

وهكذا سارت الحياة بهدوء صامت بينهما، أولاد جميلين، هو في العمل وهي في المنزل ..

إلى أن غزا الملل قلبيهما وجسدهما معا، وقررا تكملة المسيرة كأصدقاء من أجل الأولاد، في يوم وهو يفتش في تلك الشابكة التي غزتنا مثل حمم بركان ولم نستطع مواجهتها بسبب كبتنا في مجتمع ينتقص من كرامته إذا أعلن أنه بحاجة للحب ككل البشر … تعرف عليها وسارت الأحاديث، بينهما هي تحدثه عن الأرق الذي يصيبها بخلجات من الهستيرية لأنها حفظت تماما مقتنيات منزلها الفارغ من صوت ماما، ورجل أهم ما يملكه عمل يجهد نفسه به ليأتي لمنزله وينام ليستيقظ باكرا إلى عمله ثانية، فهو عجز عن الإنجاب ، لكن عجزه الأفظع كان عن الإفراج عن إنسانيته ليستطيع الفرح والحياة ….

وهكذا تمضي الحياة مملة رتيبة لاشيء يوقظ بها الأمل وحتى العراك لم تكن تستجدي به نفعا .

غنى لها لتنام بطمأنينة..هذه أول مرة منذ تفتح براعمها أحد ما يمطرها بندى أغنية لتنام بهدوء …قال لها نامي وأنا سأغني لك، لا تخافي سأبقى بقربك حتى تهدأي يا صغيرتي ..

أصبح يرسل لها الورود كل صباح، يسجل صوته على برنامج الواتس و يمطرها بكلمات عذبة، لم تعد تهتم لما يدور حولها، من عودة زوجها متأخرا أو من فصول نومه العميقة، ربما هو أيضا يحيا بعالم افتراضي يغذي إحساسه المفقود، ما المشكلة ؟

طالما يوجد من يهتم بتفاصيلها الصغيرة، يفتقدها إذا غابت قليلا عن الشابكة، يمسح دموع حزنها ويسامر أرقها يلامسها كأنه هنا يحيا بالقرب منها، وكلما ضاقت عليها الدنيا تسرع لتستحثه على الغناء فصوته لا يقاومه عزف قلبها الرهيف والعطش للحب..

على حين غرة غضبا من بعض، وتخاصما على نقاش سخيف المعنى، منذ أسابيع لم يتواصلا لكنها ترسل له رسائل على صفحتها، وهو يجيبها على صفحته، في ذاك النهار قررت أنها ستكلمه، ستعاتبه كيف يبتعد عنها؟ وهل وجد النوم لجفونه سبيلا بعيدا عن حنانها واهتمامها

وفي الصباح شربت قهوتها على أنغام فيروز كالعادة وفتحت برنامج الإنترنت لتجد تعزية على صفحته الخاصة ..تلعثمت بالقراءة ، عانقت الطاولة بشدة كي لا تسقط أرضا، زحفت قليلا لتشتم رائحة العطر الذي أرسله لها ذات مرة علها تستيقظ …أكيد هي في كابوس

عادت للصفحة مرة ثانية ..كان هناك يبتسم لها يرسل أغنياته لتلف قلبها الافتراضي

حملقت جيدا …

إنه ابنه وقد كتب بالبند العريض ننعي إليكم المغفور له والدي وزين صورته بزاوية سوداء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى