نَوَياتُ تمر، ونِعاجُ داود، في أرضنا!
بقلم: توفيق أبو شومر
أوردتْ صحفٌ إسرائيلية وعالمية، أبرزها صحيفة إسرائيل هايوم، 23-9-2020م قصةَ اكتشاف، نويات تُمور جافة تعود إلى العصر البابلي، حيث وجد الباحثون الأثريون الإسرائيليون في موقعين أثريين، في مسعدة (ماسادا)، في ستينيات القرن الماضي، وفي كهوف، قمران، اثنتين وثلاثين نواة تمر، قال مدير مركز، العربا، د. فلن سولوي: “حصلنا على البذور، عندما تولى الجنرال، يغئال يادين مهمة كشف موقع، ماسادا، 1960م، هذه النويات هي أقدم البذور في العالم أجمع، أبقيناها محفوظة أربعين عاما، ثم أنبتنا ست نخلات من بذور، كهوف قمران، لقَّحنا البذرتين، حنا مع متشولح، ثم غرسناهما.
جرى إنبات نويات التمور، بعد إجراء التلقيح، اللازم في كيبوتس، قيطوره، عام 2005م، وقد أسمى علماء الزراعة الشجرة الأولى باسم، متشولح، هو جد النبي نوح، وأطلقوا على الثانية، حنا، أم النبي صموئيل، ثم أطلقوا على الفسائل الجديدة أسماء توراتية: “آدم، حنا، إيهود، يونثان، بوعز، أرئيل”.
في بداية عام 2019 جرى نقل النخلة، حنَّا، إلى مركز البحث الزراعي في العربا!
تقول البرفسور، سارة صالون، وهي باحثة في الجامعة العبرية في القدس: “مذاق تمور نخلات، حنَّا، رائعٌ كالعسل، ثمرُها يميل إلى الجفاف، وهو دليل على أن هذه الأرض هي أرض اللبن والعسل، تمرها يُشبه التمر (الزاهدي) العراقي والسعودي، لأنها تعود إلى العصر البابلي منذ ستة آلاف سنة، زمن، متشولح.
استغلَّ الباحثون الزراعيون هذا الاكتشاف، لكي يجعلوه علاجا طبيا، وعلاجا نفسيا لنيل البركات الدينية أيضا، وهو جوهر الموضوع، لأنه سيجلب السائحين من كل دول العالم إلى هذه النخلات أيضا.
لم يكتفِ الباحثون الأثريون بترويج هذا الاكتشاف الأثري! بل عَمِدَ باحثو الزراعة في نحت فوائد هذه التمور الصحية، وانبرى المتدينون في جعل هذه الفسائل ذات بركات دينية، أما باحثو التربية والتعليم والثقافة، فقد انضموا إلى الجوقة الموسيقية عزفوا لحن التربية والتعليم، جعلوا هذا الاكتشاف (الرهيب) مادةً دسمة لأقاصيص الأطفال؛ فقد كتبتْ الباحثةُ، سارة صالون، مقدمة كتاب أقاصيص الأطفال: “نام النبي، متشولح في المسعدة، ها هو يستيقظ من جديد بعد ألفي سنة، في صورة نخلاتْ متشولح، وحنا”!
أعادتني القصة السابقة إلى قصص أخرى عديدة مُشابهة، كتبتُ عنها سابقا، كتبتُ عن حمار بلعام، التوراتي، الحمار الناطق، وجد الباحثون الزراعيون سلالةَ هذا الحمار الناطق، أحضروه إلى حديقة الحيوانات في إسرائيل!
استعدتُ كذلك قصةَ نِعاج، يعقوب: “جرتْ مفاوضات مكثفة بين السفارة الإسرائيلية في كندا، والسفارة الكندية في إسرائيل استمرت ثلاث سنوات، لأجل إعادة قطيع أغنام سيدنا، يعقوب إلى أرض إسرائيل، تعود سلالتها إلى خمسة آلاف سنة، وهي من سلالة النعاج التي حصل عليها يعقوب، من خاله، لابان، نظير إشرافه على العناية بأغنامه! بلغت تكلفة ترحيل القطيع، من مطار، تورنتو الكندي إلى مطار تل أبيب، ثمانين ألف دولار فقط لا غير!
وُضعت النعاج فور وصولها في الحجر الصحي، ماتتْ منها خمسُ نعاج، ومرضت أربعون أخرى، ثم أفرج عنها، يوم 30-1-2017 لتسكن في (نيس حاريم) بالقرب من، بيت شميش في القدس، سوف تصبح هذه الحظيرة متحفا للزيارات السياحية، لأنها تضم تراث يعقوب، ولابان!
يرفع كثيرٌ من الباحثين في إسرائيل شعارَ، البحث الحُر، والتزام المصداقية، ولكنهم يتحولون بسرعةٍ إلى حاخامين متزمتين، يلبسون الطاقية الدينية، بدلا من سترات المعامل، ويُخضعون كل أبحاثهم واكتشافاتهم للهرطقات الأصولية الغابرة، مستغلين عدم وجود باحثين منصفين!
للأسف، لم يتنبَّه كثيرون إلى خطورة هذا التزييف، ولم يُبلوروا صيغة لمواجهة هذا الانتحال الثقافي، باعتباره أبرز جرائم العصر، غير أنَّ إهمال أصحاب الحق الشرعيين لهذا الملف هو الأخطر!