العيدُ يئنُ في أحشاءِ الكورونا

أمبي الدهاه عبد الرحمن | موريتانيا

أيها العيد مابك شاحب الوجه هكذا، أترضى لنفسك أن تُطّل من نافذة الكوفيد، تطرق برأسك خلسة، تخشى الظهور أنيق المظهر، متهلل الأسارير، هاشًا، باشًا على غير عادتك و على غير عادتك ايضًا تكتفي بالكلام عن قدومك دون إحداث أي أثرٍ كذكرى جيدة تدون في خانة الذكريات السعيدة، لماذا فضلت أن تظل سجين في خانة الحزن و الإصرار على اجتثاث خيط السعادة من ثقب إبرة يخيط بها طفل صغير دبر قميصه ليشارك في مراسيم إحياء ذكراك الباهتة. كان يوم هادئًا حد الذوبان في الملل، كل شيء امتصه سكون رهيب، أهم الطقوس الفطرية أي التي دأبنا عليها في كل عيد فطر، بعد فرحة العودة إلى كؤوس الشاي المترعة صباحًا و حبات من الفستق و فتات خبز حاف في أكثر حالاته، أقول في أكثر حالاته لأني أكتب عن نفسي، بين أناملي قلم ينطق بحال قوم لا ينتمون إلى هذا الكوكب في نظر البرجوازية و أكلة مال اليتم، و غيرهم من الأغنياء، و الحروف تتكسر منصاعة لتقشير تجاعيد الظلم عن أجبنتهم، فهناك عائلات حتى في ظهر المحرم كن يستعصي عليهن إيجاد لقمة عيش رغيد، يستمطرن السماء لبنًا، ماءً باردًا، تمرًا، خبزًا، لحمًا و طعامًا للسحور، حينها لم يكن هناك من يشعر بمعاناة هذه الفئة التي تكابد المآسي و تكافح قبح هذا العالم و ظلمه بصبر و سلون. في المقابل كان الطعام والشراب يعطيا للقطط و الكلاب المسعورة، كفائض لا حاجة للغني به. الكورونا ينهش و الجوع ينخر العظام، هي ليست حرب من طرف واحد بل من أطراف عدة، إبادة بطيئة للجنس المنتمي للطبقة الضعيفة، التي تقع بين سندان الموت و مطرقة القهر، لكن من به ألم لن يخونه أي قلم في تسطير آلام آخرين دعكوا جورًا، حتى لو نحت بأمعاهم و بسيل لعابهم تماثيل جائعة، محدودبة على قارعة الطريق. ما إن ينقشع رمضان حتى تبدأ اسعار الوجع في الإرتفاع، لباس العيد، كبش العيد، كسوة العيد، زكاة العيد و هدية العيد، و أي هذا الذي نحن فيه الآن، عيد يئن في أحشاء الكورونا، جامد من فرط الجبن و يرتعد، دبيبُ الخوف يجتاحه. لم نر صلاة الفطر و لا الإمام و هو منتصب أمام الصفوف يخطب و يهرش ذقنه بين الكلمات، يعيد وضع لباسه الذي أخذته الريح في جولة حوله. لم نلبس الجديد، لم نذهب في زيارة صلة الرحم. المآدب شبه معدومة و إن وجدت كانت حكرًا على أهل البيت وحدهم. أي عيد هذا بحق الجحيم؟ و الأطفال حُرموا من فرصة العمر، هي لحظة انتظروها عامًا كاملاً فإذا بها تمر أمام أعينهم لا حول لهم ولا قوة غير النظر إليها من بعيد و اغتصاب ابتسامة، اليوم صار الكل يتحاشاهم، هم عميل للكوفيد، عميل سري، لذا لم يُسمح لهم بتخطي عتبة أي بيت و لم يحتكوا بالكبار، فوسيلة التحصيل هذه أضحت مستحيلة، عاجزة عن الدوران. خيم الظلام على قسامات الصغار. صلبت لقاءات الأحبة على جدار البعد. الأسواق راكدة، خالية على عروشها. وُضِع المواطن بين خيارين حلاهما أمرهم، إما أن يجلس في بيته يتظر بزوغ شمس الغد و ذهاب الغم و الهم و إنجلاء هذا البلاء أو أن يتسوق بناظريه و الكمامة تأخذ مكان اللثام. منذ زهاء شهرين و كل شيء مغلق، البطالة لامست أطراف الكل. ربما كنتُ الطفل الذي تذوق أطعمة الكل بمنخريه و لَبس كل جديد بناظريه، إمتلأت جيوبه مالاً بالتمني، عايد الكل في خاليه، أخذ جولة في كل الأحياء و الأسواق و عاد فارغًا، يحمل تعبه على كتفه، ثم نام.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى