وصية
ياسمين كنعان | فلسطين
لا تجمعوا دمي ولا دمعي في الجرار؛ تلك عادة بالية؛ فمن يهتم لأمر امرأة ذرفت عمرها أو نزفت دمها هباء..؟!
من يكترث بموت الفراشة حين يحرقها اللهب أو حين تفتت أجنحتها الأصابع..؟!
من مات بهذا مثل من مات بذاك؛ والموت واحد..!
لا تكتبوا وصيتي عني فليس عندي ما أوصي به؛ سأترك حزني وكلماتي “مشاع..!”
سأقول وأنا أرفع شاهدي في لحظة انفصال الروح عن الجسد” اشهد يارب أني لم أذق طعم الحياة يوما؛ فكيف تسلب مني حياة؟!”
واشهدوا أني أريد قبري بلا شاهد يكتب عليه كلمات فارغة..فما معنى أن يكتب أحدهم على رخامه بالأسود ولدت في يوم كذا من العام كذا وأنا لم أنتبه أبدا أني ولدت وأني عشت وأني أموت الآن..!
وإن كان ترك جثتي في العراء لن يغضب الله ولا حراس دينه الأوفياء، فاتركوا جسدي الهزيل في العراء؛ لتنهشه الضباع أو الجوارح أو تعيث الغربان فيه فسادا، لا فرق..!
لا توجعوا قلب أمي..لا تسردوا على مسمعها تفاصيل موتي،ولا تحاولوا أن تنثروا الورد بين الكلمات..!
لتكن الحقيقة رمادية، أو بلا لون، لتكن الحقيقة حقيقية وحسب..لا تخلطوا السم بعسل الكلام، ولا تعرضوا جسدي الميت على أمي ولا تجبروها أن تتعرف على جثتي، ولا تعاتبوها إن لم تتبين ملامحي فسنوات البعد غيرت الكثير..!
لا تتنازعوا أمري ولا أمركم بينكم؛ ولا تجعلوا قبري قبلة للضالين..!
اتركوا الحرية لكل أشواك الأرض وأزهارها البرية أن تنمو فوق صدري، أو بين أصابعي كي أنهض من موتي قليلا وأعدو فوق المنحدر مع الصغار..!
وحين يؤذن المؤذن معلنا موتي؛ اتركوا له كامل الحرية أن ينعاني بأي اسم يشاء..!
وليقل إن شاء” سقطت ورقة في النهر، وها هي تجري لمستقر لها؛ فلعلها تبلغ المنتهى، أو تذهب مع الزبد جفاء..!”