من «الفيسبوك» إلى «الفيس كمبيوتر» والانزلاق السريع إلى الكون الافتراضي

د. فيصل رضوان | الولايات المتحدة الأمريكية

      جاء إعلان المدير التنفيذى لفيسبوك عن المسمى الجديد ميتافيرس “metaverse”، والذى يجمع منتجاته وتطبيقاته المختلفة معًا تحت مظلة واحدة. وأشار الى وجود إمكانية مستقبلية أوسع لفكرة انتاج عالم افتراضي مشترك يمكن الوصول إليه من قبل الأشخاص الذين يستخدمون أجهزة ذكية مختلفة. ويعد فيسبوك من إحدى أكبر شركات السوشيال ميديا من حيث القيمة السوقية (868.5 مليار دولار)، ولديها ما يقارب 3.6 مليار مستخدم شهريًا حول العالم.

    قال مارك زوكربيرج في إعلانه إن عملية التحول الكامل إلى metaverse قد تستغرق “عقدًا”، وأن هدفه فى المستقبل “الوصول إلى مليار مستخدم” خلال ذلك الوقت.

    ومن أجل الدخول الى هذا الكون الافتراضى لمقابلة اصدقائك والقيام بأنشطة يجب ان نثبت أجهزة الاستشعار وكاميرات والحواسب الذكية بوجوهنا وأطرافها! هذه الاجهزة تأخذ ما يناسبها من البيانات عنك وعن محيطك فى عالمك الواقعى لتعزز بها رحلتك الممتعة فى الكون الافتراضي.
    لذا، جهز نفسك لهجوم من النظارات “الذكية” وسماعات رأس الواقع الافتراضي وغيرها من الأجهزة التي تربط عينيك بالعالم الرقمي.

    ومع شعبية الفيسبوك المليارية العارمة، قد يكون من الصعب للكثيرين تجنب مشاعر الدهشة والقلق معًا، بطريقة أو بأخرى عند مناقشة التحول من عالم الفيسبوك البسيط الى عالم الفيس كمبيوتر؛ ومستقبل يجبرنا إلى القيام بحوسبة الوجه facial computing.

     فهذا المستقبل يحمل شيء مخيف لا مفر منه، أليس كذلك، وهو احتمالية أن يتجول كل شخص منا، وملايين الناس، بمعنى أن أجهزة كمبيوتر متطورة تكسوا وجوهنا! شيء مخيف أيضًا ان نتذكر فى المستقبل مدى سهولة مشكلة إدمان السوشيال ميديا، مقارنة بخطورة إمكانية الهروب التام من الواقع، وقبول السجن المؤبد داخل واحة جميلة ومحكمة الغلق، يصنعها البعض منا داخل هذا الكون الإفتراضى!

     وربما تخدم تكنولوجيا الدمج بين الواقع الافتراضي والعالم الحقيقى كثير من المجالات الطبية والبحثية، لكن تطورها السريع جاء بشكل أساسي لأنشطة الاستمتاع.

    حيث يمكنك من خلالها اختيار مكان افتراضي هادئ والجلوس هناك بصمت، وهناك قد “تشعر” بالعالم من حولك بدون إزعاج. نعم، إنه عالم من اختيارك ومع من تحب؛ عالم يبعث على الاسترخاء بشكل رائع.

    وتأتى أسباب اجتماعية وثقافية وقانونية هائلة للقلق من انتشار حوسبة الوجوه في كل مكان.

    يمكن لمثل هذه الأجهزة أن تحول عينيك إلى جهاز تسجيل مستمر، وأيضًا تزويد بعدد لا يحصى من قرون استشعار لمساعدتنا على التفاعل مع العالم الحقيقي – أو على الأقل عدم الاصطدام به.

    لا تتوقف التهديدات لهتك الخصوصية فقط، بل وهناك إمكانية جمع معلومات حول منزلك أو مكتبك أو حتى مجتمعك والتى ربما تكون متاحة للاستخدام الغير مقنن. ويتشكل خطورة مستقبل حوسبة الوجوه أيضًا فى سهولة التورط فى نشر المراقبة الصوتية والمرئية الدقيقة في الأماكن العامة والخاصة.

    كما أن هناك القلق بشأن إتاحة أجهزة حوسبة الوجه دون دراسة اجتماعية وصحية متكاملة، كما حدث مع الانتشار سريع للهواتف الذكية، قبل أن يبدأ المجتمع في تقدير الطريقة المثلى لاستخدامها والتعامل معها بشكل آمن.

     وأنهي المقالة بتعليق لاذع من بروفيسور كريستين مارتن، أستاذة أخلاقيات التكنولوجيا بجامعة نوتردام الشهيرة حيث أكدت فى بيان لها أنه “لم يثبت التنفيذيون فى Face—book أنهم جديرون بالثقة مع ما انتجوه لنا فى العالم الحقيقي، لذلك ليس من الواضح لنا لماذا يجب أن نثق بهم في العالم الافتراضي”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى