سجود البعير وعجين السمبوسة
توفيق أبو شومر
لم أتوقع أن أحصل على معلومات مفيدة من صديقٍ لي يعرف أحد واعظي الفضائيات، قال: الواعظ، نجم الفضائيات كان مدرسا في إحدى المدارس الابتدائية، ثم فَتَح الله عليه أبواب الرزق، ليس ببناء مصنعٍ أو شراء مؤسسة تجارية، ولا حتى بالعمل في قطاعات البناء والإعمار، ولا حتى بترقيته إلى درجة مدير في التعليم والتربية، بل إنه ركل كلَّ الأعمال بطرف قدمه، وأصبح نجما إعلاميا، وواعظا دينيا، تُرجَى مودَّتهُ، ويُسعَى إليه!
استخدم تكتيكا بسيطا، وهو استخدام القصص المنحوتة من التراث الديني، وحكايا كتب الدين الهامشية، ومزج بعضها بأخلاطٍ حديثة، واستعمل صوته الجميل في قراءتها، ومَزج هذا كلَّه بتنغيم صوته الشجي الباكي، واستخدم مقطوعةً لازمةً واحدة يبكي فيها بعد كل ثلاث أو أربع جمل على شاكلة: اذكروا هازم اللذات، مبيد الدول والجماعات!!
ليس المهم القصص التي يوردها، ولا الخرافات التي يسردها، المهم في كل ذلك هو الصوت الأجش الباكي، وحركات جسده اللولبية!!
ليتَ صوتَه الباكي كان يحكي قصصا ذات مغازٍ خُلقية، وحكمٍ نفعية!! ولكنها قصصٌ مليئة بالترهات والخرافات، ومن خرافاته، أقتبس الأقوال التالية:
“كيف تقلدون المسيحيين حتى في شهر رمضان، أتعرفون بأنكم حين تشترون السمبوسة أنكم آثمون مخطئون؟
نعم إنكم ترتكبون الآثام، حين تشترون عجين السمبوسة وتأكلونها في موائدكم، فالسمبوسه المحشوة باللحم والمكسرات، تكون ثلاثية الأضلاع، أتعرفون لماذا لها ثلاثة أضلاع؟!!! لأنها تشبه الثالوث المسيحي المقدس ( الأب والابن والروح القدس).. اتقوا الله في رمضان وفي غير رمضان!!”
ومن أشرطته المسجلة:
“اسمعوا ماذا يقول صغاركم وكباركم حين يودعون بعضهم: باي باي أتعرفون ما معنى باي باي؟!!.. إنها دعوات لبابا المسيحيين، بابا النصرانيين، هي دعوات له بالسلامة والصحة والعافية!!.. اتقوا الله أيها المسلمون الغافلون!!”
ومن أشرطته المسجلة أيضا هذه القصة: “إليكم هذه القصة، التي جعلتني أبكي وأنتحب على تقصيري في حق الله، فهي قصة البعير!!
قصة البعير، رأيتها بأم عينيَّ، عندما وقفت بسيارتي لأصلي العصر خلف بدوي كان يصلي في العراء، ووراءه جَمَلُهُ مُناخا، يجلس منتظرا صاحبة، وكان كلما سجدَ صاحبُهُ (المصلي) كان جملُهُ يسجدُ وراءه، فتعجبتُ وصرتُ أنظر إلى البعير، وأقول: سبحان الله، حتى البعير يسجد لله، وأنت يا عبدُ، غافلٌ تؤدي الصلاةَ بحركاتٍ بلا خشوع، فلتنظر إلى البعير الذي يسجد لله جلَّ وعلا!!
هذه القصص تُباع وتسجل وتوزع، وتتولى شركاتُ إنتاجٍ إعلامية كثيرة توزيع هذه الأشرطة، فهي تُدِرُ دخلا كبيرا على صاحب الصوت الرخيم، ويقع هذا الدخل ضمن تجارة الوعظ الديني للأسف!!
والحقيقة، هي أن الهدف الرئيس ليس هدفا تجاريا، بل إنها خطة مُبرمجة، تستهدف عقول أبنائنا وأهلنا، وتشحنهم بالجهالات، ليتحولوا من صيغة الإنسان العاقل، إلى صيغة المسلوب الغافل، وهي صيغة (القطيعية)، أي حالة القطيع، القطيع التابع لقائدٍ مُغَرِّر وجزَّار مُضلِّل، يقودهم حتى إلى حتفهم، بالجهالات والترهات، لأنه نجح بالفعل في أبشع جرائم العصر، مما لم تُسن لها العقوبة المناسبة حتى اليوم، وهي، جريمة اغتيال العقول