إذلال المدرسين سبب النكبات
توفيق أبو شومر | فلسطين
ما يزال أكثر العرب ينظرون إلى الغاية من التعليم نظرتهم التقليدية، وهي أن الغاية من التعليم؛ الحصول على وظيفة الحكومية!
وما يزالون يُعرٍِّفون التعليم بأنه حشوٌ لعقول الأبناء، فالتفوق دائما للطلاب الذين يُفلحون في إتقان المحفوظات، ونسخها على أوراق الامتحانات.
وسيظل كثيرٌ من العرب، ومن هم على شاكلتهم من دول (الكمبارس) يرون التعليم بأنه أنسبُ مكانٍ لترويضِ الأبناء وتربيتهم، فهو سجنٌ تأديبي، بعد أن فشل الآباء في ترويضهم، فهو تخفيفٌ على الآباء من مشاغبات الأبناء!
وسيظل الهدف الأسمى من إقبال كثير من أولياء الأمور على تعليم أبنائهم، هو الفخر الاجتماعي أمام الأقارب والأهل، بأنهم رفيعو المستوى قادرون على تعليم أبنائهم، بغض النظر عن إسعاد الأبناء أنفسهم، فيرغمون الأبناء على اختياراتهم هم، فيجبرونهم على دخول كليات الطب وكليات الجيش، ليتقووا بهم اجتماعيا وعسكريا، ولا يتيحون لهم أن يختاروا مجال حياتهم وتخصصاتهم!
أحاول دائما الحصول على معطيات عن أنظمة التعليم في العالم العربي، فلا أجد سوى شذراتٍ بسيطة يقوم بها أفرادٌ، لا ترقى إلى مستوى الإحصاءات العلمية المحكِّمة التي ترصد تطور التعليم في مؤسسات التعليم والتربية في العالم العربي!
إن الدول المتقدمة عثرت منذ أكثر من قرن على مفتاح التقدم والتطور، فكان التعليم هو المفتاح الرئيس، لذا فقد سخَّرتْ تلك الدول إمكاناتها له، وجعلته في مقدمة اهتماماتها، فكان الصراع في كثير من الدول المتقدمة ليس على وزارات الداخلية والخارجية والحربية، بل على وزارات التربية والتعليم، لأنها مفاتيح بناء أجيال المستقبل!
أصدرت منظمة التعاون والتطوير الاقتصادي (OECD) والتي تضم أربعا وثلاثين دولة أوروبية وإسكندنافية بالإضافة إلى أمريكا وإسرائيل تقريرها السنوي عن حالة ومستوى التعليم في تلك البلدان، ونشرت يديعوت أحرونوت يوم 13/9/2012 تفاصيل عن حالة التعليم في إسرائيل من خلال تقرير المنظمة، جاء فيه:
تقع إسرائيل في المرتبة الثانية بعد كندا في نسبة الطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 24 سنة- 64 سنة ممن يدرسون في التعليم العالي.
46% من الدارسين في إسرائيل يكملون تعليمهم العالي.
مع العلم بأن متوسط النسبة المئوية لمن يكملون تعليمهم في دول المنظمة كلها هو 30% فقط.
تحتل إسرائيل المرتبة الثانية فيما يتعلق بمرتبات مدرسي المرحلة الابتدائية، فيما بين عام 2005-2010 ، فقد زادت مرتبات المدرسين بنسبة 32%.
أما معدل نسبة زيادة مرتبات دول المنظمة تبلغ فقط 5%.
وزادت مرتبات مدرسي التعليم العالي في إسرائيل بنسبة 8% مقارنة بمستوى زيادة مرتبات دول المنظمة 4%.
أما نسبة الخريجين الإسرائيليين من المدارس العليا فقد كانت عام 2003 89%
ووصلت عام 2010 إلى 92% .
وتعتبر نسبة خريجي المدارس العليا في إسرائيل من أعلى النسب في دول منظمة التعاون والتطوير الاقتصادي.
كم كنتُ أودُّ أن يكون هناك مقياسٌ مماثل للتعليم عند العرب، لا يشمل فقط النسب المئوية، بل يرصد أيضا التسرب وحالة المناهج، ومستويات المعلمين ومرتباتهم الهزيلة، وكيف يتحولون من مدرسين ومبشرين ورواد ورسل مثاليين في الصباح، إلى عاملين كخدم في بيوت الطلاب الأثرياء في المساء، ويعملون أيضا سائقي سيارات، وبائعين متجولين، وسماسرة، حتى يتمكنوا من الحصول على الحد الأدنى من الحياة.
إن إذلالهم هو أحد الأسباب الرئيسة في هزائمنا ونكباتنا.
وسأظل أردد قولا، لم يحفظه العربُ بعد وهو: “إن مقدار ما تمنحونه للمعلمين من مرتبات ومكافآت، إنما تمنحونه لأبنائكم، فهو الذي يُحدد مستقبلهم”
سئل داهية ألمانيا بسمارك عن سبب انتصاره في حروبه السبعينية فقال:
“انتصرنا بمعلم المدرسة!!”