لم تُضنِكَ التسعون

( مهداة إلى روح شيخنا الجليل الطاهر مكي )

محمد ناجي |مصر.
تَوارَىٰ بِسَاحِ الضادِ حامٍ وناصِرُ
ولِلحُزنِ في دارِ العُلومِ شعائرُ

وهانتْ رزايا الفَقْدِ بعدَ افتِقادِهِ
أيُفجِعُ رُزْءٌ بعد إذ ماتَ طاهِرُ؟!

عَجِبْتُ لهذا الموتِ يَحصُدُ أنفُسًا
تَبَشُّ لهُ، والوجهُ للموتِ باسِرُ

لِتَبْكِ عليكَ الضادُ والدارُ والحِجا
فليسَ يُجَلِّي الحُزنَ عنهُنَّ غابِرُ

إذا ما دَعَوتُ الشِّعرَ عند رثائهِ
فليسَ يُواتيني ولا الحرفُ ناصِرُ

أيَا راهِبَ الآدابِ ظَلْتَ مُرابِطـًا
فلَمْ تُضنِكَ التسعونَ والعِلْمَ باذِرُ

فقدناكَ حَبْرًا في العلومِ ومُخلَصًا
بكَتْ لكَ أندلْسٌ وضَجَّتْ منابِرُ

فقدناكَ يا بحرًا لآدابِ أُمَّةٍ
شَدَتْ بِعَلاءِ العُربِ منكَ ذخائرُ

فقدناكَ بَرَّاً بالتُّراثِ مُنَقِّبًا
فلَبَّتْ عقولٌ واستضاءتْ بَصائرُ

كأنَّكَ إذ فارقتَنا عندَ مولدٍ
تقولُ: أنا منكُمْ مكاني الضمائرُ

فكَمْ من مُقيمٍ في الحياةِ كمَيِّتٍ
وكم من عظيمِ الشان تَطوي المَقابِرُ

علِمْتَ حياةَ الناسِ بَرقةَ خُلَّبٍ
فكُلُّ الذي فيها سرابٌ مُغادِرُ

وهانَ بعَيْنَيكَ الغَرورُ وآلُها
فقُلْتَ: إلىٰ داعي الخُلودِ أُهاجِرُ

وهاجرتَ للأقرانِ من خيرِ صُحبةٍ
بصَوْمعةٍ عندَ المَعادي تُبادِرُ

إلىٰ حيثُ رُكنٍ -تَنشُدُ السِّلْمَ- هادئٍ
يَراعُكَ والأسفارُ خِلٌّ مُسامِرُ

تَشُقُّ عُبابَ الليلِ والضوءُ واهِنٌ
تُقَلِّبُ أوراقًا وكُتْبًا تُحاوٍرُ

سَلِ المَلِكَ الضِّلِّيلَ كيفَ حياتُهُ
وشِعرٌ لهُ بينَ العُصورُ مُسافِرُ

أكانَ ابنُ حَزمٍ عند تَسطيرِ “طَوْقِهِ”
مُحِبَّـًا لهُ بالقلبِ عِشقٌ مُخامِرُ؟؟

أأوصاكَ “نِيرودا” بشِعرِ نِضالِهِ
فقُلْتَ لهُ: “بابلو” أنا لكَ ذاكِرُ؟؟

أجاءَكَ “إيميليو” بصُحبةِ بضعةٍ
من الشعراءِ المسلمينَ يُفاخِرُ؟؟

إذا قيلَ:عن نسلٍ تَزِهَّدتَ، قُلْتَ:لا
ثلاثونَ أولادي بكُلٍّ أُكاثِرُ

وطُلَّابُ عِلمٍ في البلادِ تفرَّقوا
ويَجمعُنا في الضادِ دَومًا أَواصِرُ

تركتُ فؤادي عندَ “نانا” فإنها
لَتَدري لماذا القلبُ منيَ شاغِرُ

فبَعدَكِ يا “نانا” النساءُ خطيئةٌ
إلىٰ حيثُ ألقاكِ فإنيَ صابِرُ

فكيفَ أراكَ اليومَ من بعدِ فُرقةٍ
وعنَّا المَزارُ اشتطَّ وانفَضَّ سامِرُ؟!

سقَىٰ اللهُ أيامًا بدارِ العلومِ حَيْـ (م)
ـثُ طَيْفُكَ مَرقوبٌ ووجهُكَ ناضِرُ

وغَيْثُكَ -لا مقطوعُ- عذْبٌ إذا سَقَىٰ
علىٰ مُقفَرِ الأفهامِ هامٍ وماطِرُ

كأنَّكَ إذ تُلقي دُروسَكَ بيننا
مَسيحٌ حواريُّوهُ منهُ حواضِرُ

فتُلقي حديثًا ليسَ يُسمَعُ مِثلَهُ
حديثٌ صحيحٌ مُسنَدٌ مُتَواتِرُ

فحِينًا تُزيلُ التُّربَ عن إرتِ أُمَّةٍ
وحِينًا يُباهِي منكَ شِعرٌ مُعاصِرُ

وحِينًا تُلاقي بالتَّبَسُّمِ صاحبًا
وفي القلبِ جُرحٌ -ليسَ يُعلَمُ- غائرُ

أيَا دارَنا العصماءَ هل قَدرَ طاهرٍ
وَفَيْتِ؟! ألِلْمَكِّيِّ بالفضلِ شاكِرُ؟!

عهِدتُكِ دارَ العِلمِ والفضلِ والعُلا
فأينَ يَراعٌ منهُ؟! أينَ حَناجِرُ؟!

وقَلَّ لدَىٰ ذِكراهُ تخليدُ ذِكْرِهِ
بقاعةِ درسٍ لو أُريدَتْ مآثِرُ

تَباركْتَ يا شيخي حُضورًا وغَيبةً
لكَ الخُلْدُ بَيْنا حيثُ غرَّدَ طائرُ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى