قراءة في قصائد الشاعرة السورية جودي قصي أتاسي
هدى عثمان أبو غوش | فلسطين
وصلتني مجموعة قصائد للشاعرة السورية الشابة جودي قصي آتاسي، التي تصارع المرض في إحدى المشافي في ألمانيا، لم تكن معنونة، ولم يظهر عنوان بعلبك المجموعة، شاعرة تتنهد الحب، تعشق حتى النخاع، نسمع صهيل نبضاتها، تكتب حروفها بالرسم بالكلمات، وأحيانا كثيرا بلغة وملامح الجسد والطبيعة.
تفاصيل الجسد حاضرة في القصائد،تقول:
“كدت أسيل من عينيك
من أطراف لهفتك
وألتقط الوقت
رسمت يديك
كي أزهر في قبضتك”.
وتتابع في موضع آخر وتقول:
“رسمت شفتيك
المسافرين
ويداي تلتقطان
ثمارها المتساقطة!”.
ففي تلك الصور الشعرية، ترسم وتصور الشاعرة العلاقة الجسدية العاطفية تجاه حبيبها بشكل لقطات مصورة، فيها تظهر حالة الجسد العاشق الهائم في جسد الحبيب.
والطبيعة حاضرة في معظم القصائد،جاءت لتعبر عن أمواج مشاعرها الجياشة ولتؤكد مدى ارتباطها العشقي بالحبيب، ومدى تأثرها وحبها للطبيعة، وجمال القصائد تكمن في دمج الطبيعة بقلب العاشق، فالاستشهاد بالطبيعة هي من صور الإبداع.تقول:
“في حضرتي..أنا التي أحببتك ذات احتراق استوائي النبض والنوى
وأنا التي خلقني الله
من سحب ومن زبد البحر
أنثى الدلال والندى”.
وفي موضع آخر يتجلى جمال الطبيعة بالشجر والأزهار.
تقول:”تمطر وسادتي نرجسا”.
“ترتدي قامتيثوب الشمس”.
“يا ورد الروح الطالع
من أوردتي
ك ضوء اللوز”.
تصطف أضلعي ضاحكات في غنج
تتدلى أغصان الصفصاف”.
بالإضافة إلى عدّة مفردات تتعلّق بالطبيعة مثل: الياسمين، نرجسا، قمح، سنبلة، صنوبر، النخلة، بنفسج، عشب، زهر، والكواكب مثل: الشمس القمر عطارد المريخ. كما وذكرت السّماء، الغروب، والشمس.
ورغمحالة العشق التي تصورها الشاعره في قصائدها،إلاّأنّ العاطفة الجياشة التي تملؤها سعادة تتحول فيما بعد لعاطفة حزينة تحمل مفردات الحزن والموت والألم مثل :”احتضاري الطويل”، جنازة،موت،بكاء، توابيت،نعش،وتتجلى عاطفتها الحزينة في تلك الكلمات تقول:”وهناك يابن حزني
في ظلّ حائط أبيض
بياض الكفن
واضحة الشحوب ملامحي وثوبي”.
تغيرت ملامح القصيدة من الفرح إلى الحزن بسبب خيانة الحبيب فتجلى القهر والعذاب حين شبهت الحبيب الخائن بالذئب وهي واحدة من بين أضاحي الحبيب تقول:
“نهش الذئب حنطة قلبي
ومضى يبحث أكف العذارى
يقبل تلك
ويمشي بي
إلى مهرجان الأضاحي
كما الذبيحة”.
عبرت الشاعرة عن الأشواق للحبيب واستخدمت المناداة،والطباق(صحو-غفو،مدّ-جزر،دجى-نور). وقد كانت الاستعارات جميلة، كما استخدمت التناص الديني. تقول:”جاؤوا من كل فجّ عميق”. وأيضا استخدمت المفردات الدينية مثل:صلوات،ابتهل،مئذنة،سجدة حنين،صلاة العطر،”تيممت بالرمادمرتين” “توضأت الان والنية قد انعقدت لأقيم صلاتي”. كما واستخدمت الشاعرة تناصا من القرآن الكريم، من سورة مريم “انتبذت لنفسي مكانا قصيا”،فالآيةتقول: “فانتبذت به مكانا قصيا”، وذكرت أسماء سور القرآن مثل المعوذات، الطارق، الغاشية، المزمل. استخدمت التّكرار في فعل الأمر المخاطب رسم. “أُرسم بابا” “أُرسم بحرا” “أُرسم شفاها” “أُرسم أسنانا”. لتعبر عن حاجتها إليه.