حتَّام تفتأ تذكرُ الأطــــلالا…

صالح علي| لبنان

حتَّام تفتأ تذكرُ الأطــــلالا
وترومُ من وصفِ الدِّيارِ مُحَالا

لو كان حبّك صادقًا ما خُنتــها
وشددتَ في عَرض البلادِ رِحالا!

ولما هجرت دروبها وفجاجها
ولما أجزت مضاربا وجبـــــالا!

كانت كأحلام الصبا مختالةً
تمشي وتسحب خلفها الأذيالا

وغدت بأشأم عيشة من بعدما
عاثت بها أيدي اللئآمِ نكـــــــالا

واليوم صارت للعزاءِ مآتمًـــا
تنعــى المساء وتندبُ الآصــالا

أمَّا الحبيبُ فلا سبيل لقربه
لم يُبقِ لي ممَّا أرومُ منــــــــالا

بالأمسِ طيفٌ منه قضَّ مضاجعي
فازددت منه بما لقــيتُ مِطـــالا

ودنا إليَّ بغنج ظبيٍ خــــــــادرٍ
طرق الـعيون وفي الفؤاد تَلالَا

طيفٌ ألمَّ فعادني من عـــودهِ
شجوٌ يزيد الشوق والأحمـــــــالا

وأتى فأذكــرني الذي لم أنسهُ
وأحال دمعي في الخدود سجالا

وألمّ بي إلمام صبٍّ وامقٍ
سدل الستورَ وأحكم الأقفـالا!

وأهاج لي تذكار أعوامٍ مضت
كانت بها الدنيا تزيدُ نــــوالا

أيّام كنّا بالمســـــرّة واللقا
نمتاحُ من حسن الربيع جمـالا

فأراه يخطو في مهابة خائفٍ
ويميـلُ هونًا يمنةً وشِمالا

إذ كان أرسل نحو عَينيَ طرفهُ
ورمى بأحشاء الضلوعِ نبـالا

واستلّ لبَّ العقل من حُجُزاته
فأحلَّ من حُصُنِ القلوب عقـالا

للّه عينا من راه فإنّـــــــــه
قد ذاق من ماء النّعيــــم زُلالا

فإذا تكلّم لا يمــــــلُّ حديثهُ
أســــــــرَ العقول وأوثق الأغلالا

بفصاحة تسبي القلوب بسحرها
وحلاوة فوق الجمالِ تَعَالى

والوجهُ ماء الحسن في قسماته
ينسي الكلامَ ويلجمُ الأقــــوالا

ما كان كالبدر الذي هو ناقصٌ
بل كان أعظم في العيون مثالا

بل فوق حسنِ الشمس حسنُ جبينه
وأرقّ من ماء الجداول حـــالا

يمشي فيختطف العيونَ بهاؤهُ
فتــــراه في وضح النّهار هلالا!

قد حال عنّي نوره لمّا مضى
يجــــري بأفلاك البعــــــاد ضـــلالا

ورمى بقلبٍ قد تملكهُ الهوى
علقًـــا تزيد العبء والأثقــــالا

حتّى انتبهتُ فما رأيت سوى الأسى
يقتاتُ من ضيق الفؤاد مــــــــجالا

وبعتث طرفي في المدائن رائدًا
علّي ألاقـــــي منهم الإقبـــــــــالا

عبثًا أحاولُ لا سبيل لقربهم
فشهــــورهم لم تعرفِ الإهلالا

ونطقت من حِمل المظالم قائلاً
وضلوع صدري بالـــفراقِ ثـكالى

يا صاحِ دع ذكر الهيامِ وخلّهِ
واذكر فديتك صحبةً ورجالا

واذكر معاشر إخوةٍ جرعوا الردى
كانوا لمن طلبوا الحياة ثِمالا

كانوا كأكرم من ترى من معشرٍ
للمكرمات إذا دعـــــــوت عِجالا

نبت الربيع على ثرى أجسادهم
حتّى غدت لرحى الزمان ثــفالا

فإذا نظرت فلن ترى إلا الأسى
قتل الســـــــرور وصفّد الأبطالا

كانت بهم تبدي الحياة سرورها
وتطيلُ في حسن الثناء مقـــالا

رحلوا وظلَّ ودادهم في خافقي
والحزنُ عادَ على الضلوع وبالا

واليوم أمست بلقعًا من بعدهم
تُجـــــــــري عيونك وابلًا هــطّالا

رحل السرور وكلّ شيء راحلٌ
نطق الزمانُ وأحكم الأمـــثالا

يا قلب قل لي كم تراودك المنى
لتمدَّ في دنيا الغـــرور حبالا

كم ذا خدعت وما ارعويت بغدرها
وسرورها نحو المصائب حــــالا

لو كنت تعقل ما طلبّت زيادة
منها، ولم تركب لـــــذاك جِمالا

وصرمتها صرم العفيفِ للذّة
جــاءت تمايلُ رقّة ودلالا!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى