حين يكون الصمت خيارا
عدنان الصباح
اللوحة للفنان: كايل ستوكي
يكاد المراقب للحال الفلسطيني يلحظ حالة مت خطيرة ومقلقة للجميع فلا نشاط سياسي ظاهر ولا تصريحات ولا توضيحات وكان الصمت شمل الجميع وفيما عدا التسريبات الصادرة عن دولة الاحتلال والتي تقدم إشارات خطيرة فإن أحدا من الجانب الفلسطيني لا يكلف نفسه عناء التوضيح فإسرائيل مثلا تتحدث عن تقديم روض للسلطة الفلسطينية للمرة الثالثة واذا كان الامر صحيحا فإلى أي مدى يمكننا مواصلة الاقتراض من دولة العدو وما هي شروط السداد وهل سيصل بنا الحال يوما الى شروط سداد تلغي كليا حقنا في فلوس المقاصة الشهرية كحق تتسلمه السلطة من دولة الاحتلال بصفتها جابي لهذا المال.
اسرائيل تقتطع اليوم من فلوس المقاصة وبناء على اتفاقيات إعلان مبادئ الحكم الذاتي في أوسلو 3% بدل جباية وتقتطع حوالي 10% بدل مخصصات الاسرى والشهداء وإذا بدأنا ب3% بدل سداد القرض الاول مثلها للثاني والثالث فإن ذلك يعني أننا سنواصل الاقتراض رغما عنا لسداد فواتير الفواتير وتكاليف وجود السلطة على الارض فعلا وعند القرض رقم 10 سنكون قد بدأنا بدفع 30% أقساط تسديد القروض بدون ذكر الفوائد بمعنى ان الأمر مع منتصف العام القادم قد يعطي دولة الاحتلال نصف أموال المقاصة كحق من حقوقها وفي حال اضطررنا الى مواصلة لعبة الاقتراض فإن ذلك يعني وخلال عام واحد أي منتصف العام 1923م ان تصبح كامل المقاصة تجبى لصالح دولة الاحتلال.
السؤال ما هي الاستراتيجية التي أعدتها السلطة الفلسطينية لمواجهة كارثة محتملة مثل هذه الكارثة وأين هي قوى وفصائل ومنظمات الشعب الفلسطيني من هذه الكارثة التي تدق أبوابنا اذا لم نصحو فعلا ونضع استراتيجيات حقيقية توقف هدر المال العام وتقوم على قاعدة ميزانية أكثر من تقشف ( تقشف + ) يتم فيها إلغاء كل مظاهر البذخ وتقليل النفقات غير الاستراتيجية حتى الصفر فليس مهما على الاطلاق بدلات السفر والأكل والنثريات للوزراء ومكاتبهم وليس مهما مواصلة دفع أجور مقرات غير مستعملة اصلا ومنذ سنوات وليس مهما سيارات المسئولين وما يتبعها من نفط وصيانة وتأمين خصوصا وانها من الانواع الأضخم والتي تحتاج الى مصاريف عالية بل وليس مهما حتى البدلات وربطات العنق والمآدب في مطاعم الدرجة الاولى ولا الرواتب الضخمة لأصحاب المعالي وما يتبعها من مصروفات الحاشية وما خلف الحاشية.
دولة بلا مقدرات ولا مساعدات يتحول عدوها فجأة الى المنقذ الوحيد عبر الاقتراض منه يعني بكل بساطة انها تضع رقبتها على مقصلته بإرادتها وبدون أدنى تفكير وهل يعني ذلك ان يصبح من حق الاحتلال مثلا الاستيلاء على الاراضي الاميرية علنا وبالقانون لتسديد القروض وهل سنصحو ذات يوم لنجد من يوقع نيابة عنا بالتنازل عنها علنا لصالح دولة الاحتلال للخلاص من اعباء الديون والا فما هي الضمانات التي تعتمد عليها اسرائيل في هذا المنح المتواصل بسهولة لإقراض السلطة بلا توقف منذ بدأت الازمة.
على الصعيد الشعبي الامر ايضا لم يعد يعني احد على الاطلاق فالهم العام يدور حول نزول او عدم نزول الراتب ولا احد يحاول ان يسال نفسه من اين تأتي فلوس الراتب هذه بعد ان جفت مزاريب المانحين بالمطلق تقريبا وما هو دور الشعب في ذلك ومن الطبيعي ان لا يسال الفرد اذا لم يجد امامه نموذج القيادة وهي تتنازل عن سيارة مرسيدس لصالح دراجة هوائية ليقلد بها قيادات الدول الغنية كما هو الحال في هولندا وغيرها وحين نطلب من الشعب ان يتنازل عن المصروف الزائد فان علينا ان نرى شحوب الجوع على وجه الشخص الذي قدم الطلب.
من جانب اخر فان تسريبات تتحدث عن تصاريح عمال وتجار جديدة في غزة وخطة اسرائيلية تقوم على قاعدة انشاء منطقة صناعية لدولة الاحتلال على حدود قطاع غزة بحيث تكون المصانع منهم والعمال غزيين ولا يمكن لذلك ان يكون دون تفاهمات ما من هنا وهناك وتتواصل على الارض تعميق العلاقات بين دولة الاحتلال ودول التطبيع العربي وغير العربي ويتواصل الاستيطان والتهويد في القدس وغيرها بلا رادع ودون بوادر لاحتمالات الرد تبادر به قوى ” الثورة ” ان كانت قد بقيت بعد.
ان حالة الصمت الفلسطيني والانشغال شبه التام بأمور الرواتب والمصروفات لا تبشر بخير على الاطلاق بل تجعل الغد يبدو مظلما وقاتما الى ابعد الحدود خصوصا واننا لا نرى على الاطلاق من يحاول ان يقرع علنا ناقوس الخطر ليدفعنا بالفعل للانتقال من حالة الذهول ولو الى حالة الارتباك حتى لعلنا نصل معا الى حالة البحث الجدي عن حلول عملية تقوم اساسا الاحتفاظ بالمقاومة لحماية الارض والشعب لا على حماية الخبز والشخص ومواصلة البذخ بلا حساب والا فان كل قرش فلسطيني يصرف في غير محله الأشد ضرورة سندفع ثمنه من تراب الوطن وثبات ناسه في الغد القريب.