الإعاقات غير المرئية وحلم الجمهورية المصرية الجديدة

د. أيمن يوسف | مصر

تحل مع الجمعة الاولى من ديسمبر هذا العام؛ احتفالية اليوم العالمي لذوي الاحياجات الخاصة الذي اقرته الامم المتحدة بان يكون الثالث من كانون الاول/ ديسمبر 2021 يوما عالميا للاحتفال باصحاب الاختلاف وذوي الهمم، ويوما للتبصير بحقوقهم وقدراتهم على المستوى الدولي والعالمي، وتعد هذه الخطوة الاممية منجز حقوقي وحضاري وانساني لابد ان يجدد النظرة لملفات اصحاب الاختلاف في اوطاننا العربية، حيث ان قوائم الامراض وطبيعة اصابات الاحتياجات الخاصة حدث لها الكثير من التغير والتحول نظرا لطفرات الجين البشري وتحولات البيئة وتسارع وتيرة تحولات المناخ التي لها مردودها على انظمة واجهزة الجسد.
وقد تعاملت العديد من الانظمة الصحية والاجتماعية والحقوقية المتطورة في البلدان المتقدمة مع العديد من التحولات والاصابات الغامضة التي باتت تصيب الجهاز العصبي المركزي والعضلات وتصيب فئة واسعة من الافراد؛ بقدر اكثر اتساعا واكثر احتواء لاختلاف شكل مسارين اولهما صحي/وظيفي، وثانيهما ذهني/ فكري/ابداعي، وهذه الاصابات والاعاقات والمتلازمات قد لا تظهر على الشكل الخارجي للمريض ولا في اكثر التحاليل واكثر صور الاشعات تطورا ما يمنع حقوق هذا المعاق في الدمج والتمكين والعلاج في الكثير من البلدان الاخرى الاقل وعيا وتطورا وادراكا، وما يمنع توفير احتياجاته الخاصة التي تعينه على التعامل اليومي على مستوى العمل والاسرة والمدرسة والمجتمع، هذا بالتوازي مع تأخر حقوقي وتشريعي غير قادر على ان يحمي هؤلاء وغير قادر على أن يضمن سبل عيشهم ودمجهم وعلاجهم واكتشاف طاقاتهم المبدعة والخلاقة في طبيعتها.
يضم مصطلح الاعاقات الغير مرئية والاصابات غير المرئية التي تعبر عن خلل وظيفي على المستوى الحركي والذهني والحركي عدة متلازمات تصيب الدماغ والخاع الشوكي والجهاز العضلي الهيكلي كمتلازمة “الفيبروميالجيا” ومتلازمة ال “إم إي” ومتلازمة الاجهاد المزمن ومتلازمة التحسس المركزي في الدماغ والنخاع ومرض عدم تحمل الجهد الجهازي الانتظامي ومجموعة اخرى من الاصابات التي مازال اصحابها “خاصة في اغلب اقطار الوطن العربي” يعانون من الرفض والتهميش والتنمر والعنف الاسري والاجتماعي وجهل المحيطين، مع قصور تشريعي وقانوني يحمي هؤلاء ويعترف باختلافهم وبوجودهم وبقدراتهم اللامحدودة، ويخسر الكثير منهم وظائفهم واعمالهم وتتشتت اسرهم وقد لايستكمل الكثير منهم رحلة التعليم الاساسي، وذلك على الرغم من القدرات الابداعية والخلاقة والتميز الذهني والشخصي والانساني الذي يمنحه هذا الاختلاف لاصحابه، فالنموذج الطبي قبل النموذج الوظيفي يكشف عن طبيعة خلاقة ومبدعة ومميزة في ادمغة المصابين بتلك المتلازمات نتيجة نشاط خاص لوظائف المخ وموجاته الكهربائية، ونتيجة لطبيعة خاصة في طبيعة عمل خلايا الدماغ والمستقبلات المختلفة التي تفضي الى منح الموهبة لهذا الشخص بالتوازي مع التلف الذي تحدثه في نفس الوقت. تلك الطبيعة المزدوجة من نشاط الدماغ اذا ما تم ادراكها من قبل المريض والاوساط الطبية والمحيطين ستعمل على الحد من اضرارها الى حد ما وسيدفع ذلك باتجاه تنمية القدرات والموهبة على حساب “التلف”، مع منح فرصة أكبر لإدارة اعراض، بالاضافة الى استثمار قدرات هائلة وتوظيفها بالشكل الذي يخدم الاوطان والمجتمعات التي تعي قدرات الانسان ‘المختلف” في البناء والتطوير وايجاد الحلول لكل ما هو غير تقليدي قد يواجه الامم.
من هنا كان ادراك الانظمة الانسانية المتطورة في البلاد المتقدمة بطبيعة تلك الاختلافات وقدراتها وحقوقها الاصيلة في المشاركة والتواجد ايمانا منها بقدرة الاختلاف على صنع التفرد والتميز، ولازال الحلم في اوطاننا العربية بالنسبة لهؤلاء “المختلفون” ان يجدوا مكانهم ومكانتهم التي يستحقونها، وان تتوفر احتياجاتهم الخاصة في الدمج والتمكين والدعم وتوفير البروتوكولات العلاجية الحديثة وفق نموذج تشريعي وقانوني وحقوقي يعضد ويحمي وجودهم.

ومصر التي على اعتاب بناء جمهورية ثانية جديدة ترعى مفاهيم اكثر نوعية واكثر تطورا لحقوق الانسان ولرعاية اصحاب الاختلاف والفئات الخاصة؛ تظل هي محطة الامل التي ستنطلق منها المبادرة الاولى في الوطن العربي ومنطقة الشرق الاوسط بضم الاعاقات غير المرئية ضمن القوائم الرسمية للاعاقات والاصابات المزمنة، وستظل هي في مخيلة واحلام المصابين الملاذ الامن لبناء اول مؤسسة عربية متخصة لتلك الاصابات، تضم الوسائل التشخيصية والعلاجية والبروتوكولات الحديثة وكافة ما يحتاجه هذا المصاب من امكانات للتشخيص والدعم والدمج والتمكين، اعتمادا على كفاءات متخصصة تندر في كثير من الدول وتتوافر في مصر، بالاضافة الى قدرة الجمهورية المصرية الجديدة على بناء نظام قانوني وتشريعي وحقوقي لهؤلاء انطلاقا من محدداتها في ضم واتساع الدولة للجميع، ومسئولية كافة الفئات في المشاركة والتعاون في بناء الدولة، ومكانة ذوي الهمم في خارطة الدولة المصرية التي باتت تفسح المجال لكافة قدراتهم ومواهبهم في المشاركة، مع رعاية خاصة لاحتياجاتهم واختلافهم، وذلك استنادا الى نظرة الجمهورية الجديدة لمبادئ حقوق الانسان التي تضمن حقه في التعليم والعلاج والعمل ورعاية مواهبه وقدراته وفق نموذج تنموي شامل.
ان احلام المرضى والصابين، واحلام الجمهورية الجديدة يلتقيان عند مسارات ترنو نحو المستقبل ببناء نموذج تقتدي به دول المنطقة ينظر الى الانسان بفاعليته وانتاجيته وخصوصيته واختلافه، ويضمن مشاركة الفئات الخاصة من ذوي احتياجات خاصة او مبدعين في بناء الاوطان تحت شعار بناء الدولة وفوق اعتبارات الانتماء العرقي او الاثني او الطائفي، ولعل انطلاق المبادرة الاولى بالتعريف بمتلازمات كال “إم إي” او الفيبروميالجيا او غيرها من الاعاقات غير المرئية قد تذكرنا بان هناك شركاء في الوطن هُمشوا كثيرا وأُهملوا لسنوات وخسرت بلادنا قدراتهم اللامحدودة، وقد تذكرنا ايضا بان بناء الانسان ورعايته وضمان حقوقه هو ملاذ التعايش والتعاون والتكاتف وهو جوهر حقوق الانسان القادر على بناء اوطان وبلاد وانظمة اكثر اتساعا ونموا وانطلاقا نحو المستقبل.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. ارجو النظر فى الاختلافات الغير مرءيه لانهم يتعايشون باوجاعهم صامتين خشيه الجهل او السخريه لانهم لا يمتلكون ادله على اوجاعهم الخفيه
    ارجو توضيح كيفيه التواصل مع الدكتور ايمن يوسف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى