تحليل نص الشاعرة السورية عبير دريعي ( فن الحياة )

سي مختار الحمري | المغرب

مقدمة:
يسمو بنا النص إلى أفق التفكير الفلسفي التجريدي والتطبيقي العملاتي في ”فن العيش ‘ باعتماد الجدل والنقاش لتحسين ظروف عيشنا من خلال مقاربة التجربة الإنسانية الحياتية في صميم الوجود الإنساني وعلاقته بالأشياء والآخر وكل مجالات المعرفة الإنسانية من علم ، دين، علم نفس ، ثقافة ، وعلم اجتماع …فالإنسان يعيش وسط العلامات والرموز وفي كثافة الدلالات والمعاني ويغيب عنه معنى الحياة الذي يصبح خاضعا للإختزال والتشويه ولهذا تتحول الحياة إلى وسيلة انتاج واستهلاك في واقع مجتمعنا الحالي …
التفكير الفلسفي يصبو إلى خلق انسان حكيم يسعى في حياته بعيدا عن القولبة والأفكار الإستهلاكية الجاهزة يعيش قريبا من الحرية في مواجهة حياة التصنع والتطفل والروتين اليومي والقفز على الوجود المزيف في مواجهة دائمة داخل مجتمع مشحون ذهنيا ووجدانيا بسمات الرتابة والإستهلاك والعصبية والطائفية والقبلية والعنف الغير المبرر والجهل و …عالم بقيم جماعية وتقاليد مكبِّلة بغلال من حديد صلب للفرد…
انطلاقا من هذه الوضعية في أفق البحث عن بديل وإغناء المشهد الثقافي الإبداعي جاء النص الشعري لشاعرتنا الموهوبة ((عبير دريعي)) تحت عنوان ”فن الحياة ” والذي من خلاله جادت قريحتها الإبداعية الشعرية وفكرها الفلسفي والديني وتجربتها الحياتية الإجتماعي ورؤيتها للعالم ب بمساهمة ابداعية شعرية راقية متميزة ودقيقة تعبر عن تصور ورؤية شعرية لما يجب أن تكونه حياتنا التي نحياها ولنستحق بذلك أن يطلق علينا لقب حكيم …

العنوان : ”فن الحياة ”.
الفن :قيمة جمالية /مهارة يحكمها الذوق/يثير الإعجاب والحب
الفن عبارة عن مجموعة من الأنشطة البشرية المتنوعة تبدع اعمالا بصرية أو سمعية أو حركية ويدخل ضمنها الموسيقى والمسرح والسينيما والرقص والأدب … الخ
”الفيلسوف نتشه في مقاربته للفن يعتبره مجالا يتجلى فيه اقتدار الإنسان واساسا لتعلقه بالحياة فضلا عن تحرره من أوهام الحقيقة كما ترسمت معالمها الفلسفية ضمن الأفق الميتافيزيقي”
الحياة :في اللغة هي النمو والبقاء والمنفعة للكائنات الحية
الحياة اصطلاحا في علم الأحياء هي الصفات الموجودة في الحيوانات والنباتات وتشمل كل ما يميزها عن الجماد كالتغدية والنمو والتوالد …
ويختلف مفهوم الحياة من فلسفة لأخرى ومن دين لآخر ومن إيديولوجيا إلى غيرها
بصفة عامة الحياة هي سؤال فلسفي يتسائل عن أهمية الحياة والوجود ويمكن التعبير عنه بعدة صيغ : لماذا نحن هنا ؟؟ ما الفائدة من الحياة ؟؟ ما الغرض من الوجود ؟؟وهي محور التساؤلات الفلسفية والعلمية واللاهوتية …
معنى الحياة يلعب دورا مهما في العلاقات الإجتماعية والوعي والسعادة والقيم : الخير ، الشر ، الاخلاق…
الفلسفة ك ”فن للحياة ” : ”لدى نتشه اعتراض صارخ على ”المثال الزهدي ” سواء في امتداداته الفلسفية أو في جوهره الأخلاقي والديني حيث الإنطواء والإنسحاب عمليا أو فكريا
”فن الحياة ” قوام فكر فلسفي يضطلع بمهمة نقدية لتجاوز الميتافيزيقيا والتحرر منها وانفتاحا على الحياة وتذوقها لإبراز أهميتها وتحريرها فنيا من عوالق الأوهام ”
اللاهوتية ( الديانات الإبراهيمية ):
يؤمن المؤمنون بوحدانية الله الذي خلق الكون إنه هو من يعطي المعنى والغرض والقيم وبدونه تصبح الحياة فارغة …
ومن على عتبة النص الأولى نتساءل ما هو السبيل الذي سلكته شاعرتنا لإعطاء رؤيتها الشعرية لموضوع حَارَ فيه كبار الفلاسفة والعلماء ورجال الدين من القدماء والمعاصرين ؟؟

تحليل النص :
ايتها الحياة
دعيني ادون للالهة اعترافاتي
والوك ثمار الخطيئة
ثملة انا حد الثمالة
موشومة بالحب
بالعشق الازلي
سرمدية الانامل
امشي وراء ظلي
ولا ظل لي
ابحر في سماء اخرى
اسافر مع الغيمات
تحملني ترتديني تتلحفني
تتم شخصنة الحياة والتوجه إليها ككائن مستقل والطلب منه التريت ومنح مهلة للذات الشاعرة لتدون اعترافاتها للآلهة وهي تلوك ثمار الخطيئة التي ترمز الى الخطيئة الاولى التي كانت سببا في خروج آدم وحواء من الجنة وهي ثملة الى أبعد حدود الثمالة وكأننا في الحضرة الصوفية موشومة بالحب والعشق الرباني الأزلي بأنامل سرمدية تصبو للخلود بما تخطه من روائع . الزمن متواصل لا انقطاع فيه فهو سرمدي يقابله الفكر والزمن الديني ، والظل هنا ظلين ظل خارجي براني له وجود وظل داخلي جواني منسحب ومنطوي في الذات ويتم التعبير عن النشوة الفكرية الصوفية بتخيل الذات الشاعرة في سماء اخرى و افق اخر مبحرة ومسافرة مع الغيمات وكانها ملك او طيف او قبس من نور تحملها الغيمات وترتديها وتتلحف بها ما يعني روحيا تحولها الى غيمة سابحة في الملكوت الرباني .

دعيني اوشم جلدك
وانقش فمك
رسوم مغاور وكهوف
دعيني ارسم في حدائقك روحك
ازهارا او عناقيد عنب
بحر وموج وطير ونورس
ضل طريقه للشاطىء
وفي اسفل قدمك نبع ماء
ارتوي منه صلاة ووضوءا
اسكب في غابتك المترفة
بعض كحل واشعل بخور
امرر يداي على جبهـتك الانيقة
فتنبت اعواد نعناع
وتطير اسراب فراشات ملونة
وتعزف لنا ملائكة اوتارا ونايات
وشهيقك يعلن بدء الكون
واستسلام القصيدة
ارفعي الخجل عن حروفك
فيهرهر الحرف انجما
وزنابق مضيئة
في هذا الجزء يتم تحديد ما تتجلى فيه الحياة فهي جمال وكلام بديع وفن اصيل وقديم وهي الطبيعةبكل مفرداتها من حدائق وازهار وعناقيد عنب توحي بالنبيذ وبحر وموج وطيور ترمز للسفر واللانهائي ومنابع مياه وغابات ترمز الى الخيرات . وفراشات ملونة ترمزالى الشعور الجميل ، البهجة والطمانينة ، الراحة والسلام والرقة .
والملائكة رمز الطهارة ، النقاء ، والصفاء والنور وهي تعزف موسيقى سماوية على الأوتار و النايات أمام هذا المشهد لا تجد القصيدة بدا من ان تستسلم ويرفع الخجل عن الحروف التي تأبى الظهور فتزأر بصوت عال ترافقها النجوم والزنابق المضيئة مما يرمز إلى الثقة والطاقة والكمال والطهر …
وجهك الصبوح يغريني بالكتابة
واختراع ابجدية جديدة
”الفها” صورة الله بوجنتيك
”عينها ”عيناك ساعة الثمالة
”باؤها” ياء مسرات وبوح ونبيذ
”ياؤها”يمارس قواعد عشق
”راؤها ” رسول غاب بدفاتر
يشيد اعمدة الحكمة السبعة
يعلم العشاق التائهين
في براري الجنون
اصول نقش وفن كتاب
ونوبة تائبين
يلهم وجه الحياة المشرق الذات الشاعرة لتقوم باختراع ابجدية جديدة تليق بها تم تحديدها في خمسة حروف ( ا ع ب ي ر ) (ا.عبير ) الحرف الاول يشير الى صورة الله على وجنتي الحياة وهذا يعني ان الحياة لن تستقيم الا بالايمان بوجود الله والحرف الثاني يرمز الى عيني الحياة اثناء الثمالة اي الانخراط في حب الحياة والاندماج فيها والثالث التمتع بمسرات وبهجة الحياة والبوح والرابع ممارسة قواعد العشق والحرف الاخير يرمز الى رسول غاب بدفاتر ترمز الى التعلم والدراسة ليشيد اعمدة الحكمة السبعة وهنا نسجل تناصا مع كتاب لمؤلفه ”لورانس العرب ”وهو ضابط بريطاني عمل مع القوات العربية اثناء الحرب الكونية الاولى لطرد الاتراك من البلاد العربية وكان عنوان الكتاب ” اعمدة الحكمة السبعة ” صدر الكتاب سنة 1922 ووضع فيه لورانس العرب خلاصة تجربته السياسية في ادارة انظمة دول الشرق الأوسط بعد سقوط الدولة العثمانية وقد اقتبس المؤلف هذه التسمية التي ظهرت لأول مرة في الإنجيل لكتاب الأمثال : ((الحكمة بنت بيتها ، نحتت اعمدتها السبعة )) (امثال9: 1)
فالحكمة تبني البيت والذي لابد له من وجود اعمدة ليكون البناء قويا وثابنا وبيت الحكمة هو الانسان المؤمن المرتكزة حياته على اعمدة حكمة الله السبعة وهي :
1 — رمز العهد
2–رمز الهداية
3–رمز الانذار
4–رمز الدعم
5–رمز الخضوع للسلطان الالهي
6–رمز في الحق الالهي
7–رمز النصرة النهائية
وبناء على هذه الاعمدة السبعة سيقوم الرسول بتعليم العشاق التائهين في براري الجنون اصول الحكمة والتوبة الى رب العالمين ومما يجدر التذكير به ان الابجدية المطروحة هنا لها ابعاد سياسية ودينية لاهوتية في اطار ما عرضنا له من تناص
خلاصة : نص عميق في محاولة تقديمه لفلسفة ”فن الحياة ” في رؤيةشعرية اعتمدت الجانب الثقافي والفلسفي وكان لها تركيز كبير على البعد الديني اللاهوتي بلغة عذبة مسترسلة توظف المجاز في صور شعرية اعطت للنص جمالية خاصة نص غني مثقف قارب موضوعا كان وسيظل لغزا محيرا في الفلسفة لما يثير من تناقضات بين مختلف الفلاسفة قديما وحديثا ولما له من تاثير على الاوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية على عموم ساكنة كوكبنا الارضي
لك شاعرتنا كل التقدير والاحترام
سي مختار حمري 01/12/2021

( فَن الحَياة )

أيتُها الحَياة ….
دَعِينى أُدَون للآلههُ اعِترافاتي
وألوك ثِمار الخَطيئة ….
ثَمِلةٌ أنا حَدَّ الثُمالة
مَوشومةٌ بالحُبِ ..
بالعِشقِ الأزليِ
سَرمدية الأنَامل
أَمشي وراء ظلي ….
و لا ظِل لي …
أبْحِر في سَماءٍ أخرىَ
أسَافر مع الغَيماتْ
تحملني .. تَرتديني .. تَلتَحِفُني
دَعِيني أوُشم جِلدكْ
وأَنقُش على فَمكِ
رسُوم مَغاور وكهوف
دَعِيني أرسم في حدائق رُوحك
أزهارًا وَعَناقيد عِنب..
بَحرٌ ومَوجٌ وطَير نَورس
ضَلَّ طَرِيقه للشاطئ ..
وفي أسفلِ قدميكِ نَبع مَاء
أرتوي مِنهُ.. صلاةً ووضوءًا
أسكُب في غَابَتُكِ المُترفة
بَعض كُحلٍ و أشعِل بَخور ..
أمرِر يداي على جَبهتكِ الأنيقة
فَتَنبُت أعوَاد نُعناع …
وتطير أسراب فراشات مُلونة
وتعزف لنا مَلائكةً أوتارًا و نَايات
وشَهيِقُكِ يُعلن بِدء الكَونْ
واستِسلَام القَصيِدة
ارفعي الخَجلْ عن حروُفك
فَيُهرهر الحرف أنجمًا
وَ زَنابِق مُضيئة ….
وَجهك الصَبوح يُغريني بالكِتابة
واختِرَاع أبجدية جديدة ….
“ألفُهَا” صُورة الله بِوَجنتيكِ
“عَينُها”.. عَيناكِ سَاعة الثُمالة
“باؤها”.. باءَ مسرات وبَوح نَبِيذ
“ياؤها”.. يُمارس قَواعِد عِشقْ
“راؤها”.. رَسُولٌ غاب بدَفَاتِرك
يُشيد أعمدة الحِكمة السَبعة
يُعلم العُشاق التَائِهين ..
في بَرَاري الجُنون …
أصول نقشٍ وفن كِتابة
و تَوبةُ تَائِبينْ ….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى