الشمولية و التأصيل في كتاب ” النكبة الحداثة ” للدكتور سمير مراد

قراءة وعرض: زيد الطهراوي

يبدأ الباحث الدكتور سمير مراد كتابه “النكبة الحداثة” بمقدمة رائعة وافية أظهر فيها السبب الرئيس لتأليفه هذا الكتاب الشبيه بالموسوعة فقد تصفح المؤلف الحياة -حسب تعبيره- و تأمل المحطات التي مرت بها الأمة كيف تنكبت للدين و أدارت ظهرها فوجد أن النكبة و النكسة كانتا بداية الخط التي جعلت الأمة أرجوحة بيد الأعداء فقامت في الوطن العربي و الإسلامي ثورات تلو ثورات ، ما أدى بنا إلى ما نحن عليه الآن ، و إلى الوصول إلى حال متردية من الأفكار و الأخلاق و التدين فسادت المذاهب الهدامة الضالة و ساد التشدد الديني و الانزلاق الديني أيضاً نحو الهاوية.
و أشار المؤلف في مقدمته إلى وجود مدارس كبرى تمثل الوجود الإنساني و لكل مدرسة قادتها و روادها أدت إلى وجود صراعات سياسية و عسكرية دموية كل منها تدعي أن الخلاص بيدها وحدها أو مدارس وجودها أدى إلى الضياع الأخلاقي و السلوكي.
ثم يأتي المؤلف على ذكر الجانب الآخر من المأساة و هو أن ذلك الاضطراب الذي خُطط له بليل لا يمكن أن يصل إلا بأدوات فاعلة فتم تقديم نماذج صورت للناس على أنهم أعلى النماذج و أرقاها و المؤلف يقصد بها الشخصيات التي قادت الأمة إلى الضياع و هم البارزون في ميادين الفن و الأدب و الغناء و غير ذلك فقدموا مواد مسمومة ثم وضح المؤلف خطورة المؤامرة على المجتمع حتى لا يرجع فجأة إلى المعين الصافي فلم يتركوا فكراً مشوهاً إلا و نشروه بلباس ملفت و اتخذوا الفن و الغناء و الموسيقى و أفلام الحب و تحرير المرأة وسيلة للإفساد و كذلك الرياضة جعلوها ميداناً للتعصب و الخصومة كما ذكر المؤلف في طيات كتابه
أما الإلحاد فقد وجد المؤلف أن من وسائله الرمزية التي تدس السم من حيث لا يشعر القراء، أما الأفكار المتطرفة كالنازية و الفاشية فقد سار على آثارها العالم الإسلامي الذي شعر بالمهانة الحضارية فولدت الحركة القومية العربية مع نهاية القرن التاسع عشر و تطورت من حركة إسلامية عروبية إلى حركة عروبية تحمل الطابع الثوري و أخرى إسلامية مختلطة بين الثورية من جهة و الاعتدال من جهة أخرى…. إلى أن ظهرت التنظيمات التي خاضت الصراع مع الدولة و ما زال الصراع قائما
بدأ الحلم واعداً مع محمد عبده مروراً بالشيخ محمد رشيد رضا ثم بالأستاذ حسن البنا وسيد قطب والمودودي وذلك كله وصولاً الى أن الحل عند حسن البنا هو في التنظيم الحديدي و فكرة الإثني عشر ألفاً الذين لن يهزموا، وأما سيد قطب فقد وجد الحل في البداية من الصفر التام بطليعة جديدة تعيد المشهد و المرور بمراحل الدعوة النبوية بالتمام و الكمال لإنتاج الجيل القرآني الفريد، ومن رحم هذا المخاض ولدت حركة الإخوان المسلمين في مصر و باكستان و بينهما ولد حزب التحرير ذو الفكر المتشنج.

وقد أدى ذلك إلى تضخم فكرة الدولة بشكل حاد باعتبارها أساس العودة الإسلامية… وترتبت على ذلك أغلبية الصراعات التي ما زالت تعصف بالأمة حتى اليوم، والمؤلف لا يأذن لنفسه أو لغيره إسقاط حكم ما على أي شخص ذكره لا بالتكفير و لا غيره فهذا الأمر مرده إلى القضاء لا إلى أحد غيره أما ما ذكره المؤلف عنهم فهو تبصرة و تبيان للناس.
أما الخلاص من حالة التردي فتكون بعقيدة السلف الصالح و التمسك بالأخلاق الفاضلة و احترام إنسانية الخلق و التبادل المعرفي الحضاري و احترام دساتير دول الإسلام و التعاون المشترك و بث روح الأمل في الأمة و أن المستقبل للإسلام.

أما مباحث الكتاب فأول مبحث هو “أهمية دراسة التاريخ السياسي” و قد ذكر المؤلف تعريفه و العلاقة بين التاريخ و السياسة أو التاريخ السياسي وتاريخ العالم السياسي وجوانب التاريخ السياسي و المؤرخون الاجتماعيون يحتقرون التاريخ السياسي وأهمية علم السياسة و تأثيره في حياة الدول و المجتمعات والمبحث الثاني هو “أطماع اليهود”، وفيه العناوين الآتية: أرض الميعاد/الحلولية في مفهوم الشعب المختار /الوعد الإلهي حسب التوراة/أرض الميعاد في العقيدة الصهيونية/الأرض المقدسة في الإسلام/آراء المفكرين الناقدة لأرض الميعاد و منها : رأي جمال حمدان /الأطماع اليهودية في البلاد العربية.
أما المبحث الثالث فهو ” النكبات العربية و خصوصاً الفلسطينية و نقرأ في هذا المبحث عن “نكبة فلسطين” و”القضية الفلسطينية أو الصراع الفلسطيني اليهودي” و “بداية التخطيط للنكبة”و ” أبرز أحداث النكبة عام 1948″
و تطرق المبحث الرابع لموضوع خطير و هو السياج الفكري و العاطفي في توضيح لمعنى الأمن الفكري وأهميته و أن دراسة حديثة أظهرت أن 75%من المجتمع الفلاني لا يستجيبون لمشروع نشر ثقافة الأمن الفكري و أن 25% فقط لديهم تصور إيجابي عن المشروع و تم ذكر أصناف الأمن و ضرورة تعزيز الوعي المجتمعي بإخطار فكر العنف و الغلو و التشدد و كذلك ضرورة إظهار و سطية الإسلام و اعتداله و توازنه …
و المبحث الرابع كان في ذكر مصطلحات ضرورية لفهم الواقع و بعض المذاهب الأدبية و المسرحية فتحدث المؤلف بإسهاب عن الوجودية و الشيوعية و العلمانية و الليبرالية و غيرها من المذاهب الهدامة كما أنكر وجود ليبرالية إسلامية و في هذا المبحث أيضاً عنوان بارز هو “حداثة : حداثي” وضح فيه المؤلف معنى الحداثة وبدايتها و خطورتها و من العناوين في هذا المبحث : دار الأوبرا و خيال الظل و سيناريو و غيرها من مثل هذه المصطلحات التي ظهرت حديثاً أو كان لها أصل كالصالونات الأدبية و تحدث المؤلف عن الماسونية و خطورتها وهو موضوع اخذ اهتماماً كبيراً لخطورته
و غير ذلك الكثير من المواضيع المهمة إلى أن وصل بنا إلى إلى موضوع كبير و هو مذاهب اليسار الإسلامي وجملة من المنظرين و التلاميذ و المؤلفات و القضايا أما الدولة العثمانية فقد تحدث الكاتب عنها ذاكراً الاضطهاد الذي عانته الدول العربية من الدولة العثمانية ” الترك” و سياسة التتريك في البلاد العربية و كذلك تحدث عن ارطغل و عن الثورة العربية الكبرى مؤيداً لهذه الثورة ضد الترك.
و في مبحث الحداثة و الحداثيون تحدث المؤلف عن تاريخ الحداثة في الغرب و المذاهب الفكرية الأدبية وعلاقتها باصحاب المذاهب الهدامة كماركس و عن الأسماء التي يهتم بها أهل الفكر الجديد مثل حسين مروة و عبد الله العروي و نهاد الحايك و حسن حنفي و اهتم الكتاب ببعض زعماء التيار الديني ؛ حركة الإخوان المسلمين؛ مثل حسن البنا و علاقته بالماسونية و الأدلة على ذلك و الفتن الخطيرة التي صنعها و الغموض الذي يحيط به و بأصله و دوره في تسهيل تنفيذ اليهود لمخططاتهم و إنشاء دولة الصهاينة المحتلة و كذلك أبو الأعلى المودودي الذي انحرف في بعض أفكاره ليتحول إلى المرجعية الفكرية للكثير من جماعات التكفير و أن سبب جنوح سيد قطب القيادي الإخواني إلى التكفير هو اطلاعه على كتابات المودودي و كان المودودي اثر كبير في تأصيل الكثير من الأفكار أو الأسس العقائدية للجماعات الإسلامية كالتأسيس على أصل مبدأ (الحاكمية -التنزيل و النص -الثنائية المتصارعة “الخير و الشر”-التغيير بالقوة – السمع و الطاعة -المحارم والطقوس) أما سيد قطب فقد تنقل في حياته ما بين شيوعي و ماسوني و ثوري خارجي إخواني ثم طالع فكر و كلام أبي الأعلى المودودي فتبناه و ترجمه كلاماً و واقعاً و ألف كتاب العدالة الاجتماعية في الإسلام و فيه محل نحو الاشتراكية لكن بثوب إسلامي و من أخطر ما كتب و تبع فيه المودودي كتاب معالم في الطريق ذلك الكتاب الذي أقامه على الحاكمية و أن التوحيد لا ينفع صاحبه بدونها فكفى بذلك المجتمعات و طالب بمحاربتها فكان مع البنا و المودودي و النبهاني مؤسس حزب التحرير ممن ألقى بالأمة إلى التهلكة
و ذكر المؤلف اسماء محلات و نواد حداثية و شيوعية و ماسونية و تحدث طويلاً عن رواد الحداثة و الفن مبيناً أصولهم و جذورهم الفكرية مع ذكر لتعريف خاص لكل من التمثيل و المسرح و الغناء و الرياضة و ذلك بسبب استخدامها كوسائل لانهيار الأمة، و تحدث المؤلف عن التعصب عن تعريفه و انواعه و أضراره و حكمه و كذلك عن حقوق الإنسان و الرياضة.

لقد جاء الكتاب قوياً في مضمونه و طرحه جامعاً لأسباب الهزيمة الفكرية و السياسية و العسكرية فكان بحثاً مهماً لغرس الوعي و العودة إلى الفطرة السليمة، و قد وقفت مع المقدمة قليلا لأنها توضح الفكرة الرئيسة التي أرقت المؤلف و حملته على تأليف الكتاب فهذه المقدمة تحمي القارئ من تشتت الذهن خاصة و أن الكتاب كما قلت يشبه الموسوعة التي تحتوي على المعلومات المكثفة فكان لزاماً على القارئ أن يعطي المقدمة اهتماماً قبل الغوص في بحر الكتاب العميق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى