حينما دخلت كبسولة الفضاء
د. محمود رمضان
اللهم لك الحمد على نعمك التي لا تحصى ولا تعد..
قد يأتي اختبار من الله ليزيد في حسنات عباده، فاللهم لك الرضا والتسليم بقضائك وقدرك، يقول الحق: أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون”.
وقد تأتي الفتنة بمرض، ولكن قلب المؤمن الحق يستقبل المرض بالرضا التام، والخضوع لله رب العالمين، صحيح نحن نتداوى، ولكن الشفاء كله من الله تبارك وتعالى، وما أجمل كلمة “يا رب” وهي نابعة من قلب مؤمن، فهو وحده تبارك وتعالى بيده كل شيء.
وقبل دخولي غرفة العمليات بيومين أدخلني الأطباء لجهاز الأشعة المقطعية، وهو مكان طويل مظلم يشبه إلى حد كبير كبسولة الفضاء، وبرغم الرهبة والوحشة، إلا أنها تبددت تماماً حينما وجدت لساني ينطق: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وتبدد ظلام الكبسولة إلى نور، ومن كرم الله وجوده وفضله ورحمته رأيت سيدة في ثياب بيضاء تبتسم لي وتطمئنني وتبشرني بالخير، فأثلجت صدري، وتيقنت أن الله أرسل لي هذا الوجه النوراني ليبدد وحشتي ويؤنس وحدتي.
ومرت الساعة التي قضيتها في الجهاز-كبسولة الفضاء- كأنها دقائق معدودات، وحينما أخرجني الأطباء من الجهاز اندهشوا للغاية، وقال لي كبيرهم: كل من يخرج من الجهاز يكون متبرما إلى حد ما وضيق الصدر وتعلو وجهه علامات الغضب، فما بالك أنت تخرج منه ضاحكاً مستبشراً؟ فقلت: هذا من فضل ربي.
وبالطبع لم أقص عليهم كيف تحرك لساني بذكر الله تبارك وتعالى، ولم أذكر لهم الوجه النوراني.
فاللهم لك الحمد والشكر على كرمك وفضلك ومنك وعطائك وإحسانك.
وحين أدخلني الأطباء غرفة العمليات، كنت بشوشا مستبشرا بما يقدره الله، وقد سألني كبير الجراحين: كل من يدخل غرفة العمليات من المرضى يكون وجهه شاحباً وقد فقد الكثير من السيطرة على أعصابه، ويكون ضجراً للغاية، فقلت له: مستبشر خيراً بقضاء الله وقدره.
كان طبيب التخدير قد شاهد الأشعة ورسم القلب والتحاليل، وقد مازحته كثيراً أثناء تخديري، وقد اندهش جداً من بشاشتي، فقلت له: لماذا لا أستبشر بقضاء الله وقدره، وقبل أن أذهب في غيبوبة المخدر ذكرت الله كثيراً وكانت آخر كلمة نطقتها: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله.
لم أدر كم من الوقت قضيت في غرفة العمليات، غير أنني فتحت عيني لأجد علامات الرضا على وجوه من كانوا يحيطون بي في غرفتي بالمستشفى، فرحت بهم جداً، وقد اندهشوا أيضاً من بشاشتي التي لم تغادرني، وقصصت عليهم بهدوء شديد ما حدث لي في كبسولة الفضاء وفي غرفة التخدير وفي العمليات، فتأكدوا بنجاح العمليات التي أجراها الجراحون المهرة الأجلاء، فمن يكن الله معه يجعله مستبشراً بكل الخير.
ومن فضل الله تبارك وتعالى أشعر بتحسن مستمر وسريع، فاللهم لك الحمد والشكر على كرمك ومنك وفضلك وإحسانك يا رب العالمين.