امرؤ القيس.. الملك الضِّلِّيل

محمد أسامة | الولايات المتحدة الأمريكية

هو حامل لواء الشعر ورأس الشعراء الجاهليين والمعروف بالملك الضِّلِّيل وذي القروح وهو امرؤ القيس بن حُجر بن الحارث بن عمرو بن حجر الكندي المعروف بآكل واسمه الحقيقي “جُندح” وغلب عليه لقب امرئ القيس. كان أبوه ملكا على بني أسد وغطفان وله عليهم جزية معلومة، وكان امرؤ القيس أصغر أولاده وقد وُلد على الأرجح مع مطلع القرن السادس الميلادي وقد نشأ امرؤ القيس أول حياته وترعرع في قصر أبيه وكان ذكيا مترفا طلق اللسان وقد برع في الشعر وبرز فيه وهو في عنفوان شبابه إلا أنه  انغمس في الترف واللهو والمجون والغزل والشعر الإباحي وهو ما لا يتوافق مع الملوك فطرده أبوه من بيته. فذهب امرؤ القيس يتقلَّب ويسير بين أحياء العرب وصعاليكهم وأخلاطهم إذا لقي روضة أو غديرا أقام فيه حينا يذبح لهم ويشرب الخمر ويخرج إلى الصيد ويميل إلى القيان،ثم ينتقل إلى موضع آخر وهكذا وظل على تصعلكه مدة من الزمن. وفي ذلك الوقت كان بنو أسد قد ثقلت عليهم الجزية التي يدفعونها لأبيه حجر فثاروا عليه ثم قتلوه ، ولما علم امرؤ القيس بمقتل أبيه قال كلمته الشهيرة”ضيَّعني صغيرا وحمَّلني دمه كبيرا، لا صحو اليوم ولا سكر غدا. اليوم خمر وغدا أمر، ثم آلى على نفسه ألا يشرب خمرا ولا يأكل لحما ولا يدهن بدهن[1] ولا يصيب أمرا ولا يغسل رأسه حتى يقتل منهم مئة ويجز نواصي مئة آخرين فكان هذا فاصلا بين اللهو والجد في حياة الشاعر إذ هب من اليوم الثاني مطالبا بثأر أبيه، فلمَّا علم بنو أسد عزمه خافوا أمره وحاولوا مصالحته وعرضوا عليه الدِّيَّه فأبى وذهب إلى ديار بكر وتغلب فناصروه ولحق ببني أسد فلقيهم في موضع قريب فأوقع بهم وأثخن فيهم وقتل وأصاب منهم عددًا حتى حجز الليل فأمعنوا في الفرار فلما أصبح امرؤ القيس لم يجد لهم أثرًا وعزم على مواصلة الثأر فخالفته بكر وتغلب ورفضوا إكمال نصرته قائلين له: قد أصبت ثأرك وما نحن بتابعين لك اليوم. فقال: والله ما فعلت ولا أصبت من بني كاهل أحدا. فأبوا عليه وفارقوه. فأخذ امرؤ القيس يتنقَّل بين القبائل وأحياء العرب منهم من امتنع عن نصرته ومنهم من استقبله وأجاره، ولما لم يبلغ مبتغاه من طلب الثأر من بني أسد  لجأ وقتها إلى قيصر الروم يسأله النصرة ثم ذهب في وفد يطلب منه النصره والدعم للثأر من بني أسد وقد استقبله بحفاوة وقبول ولكن يبدو أنه  لم يتحقق من وعده ما تمناه امرؤ القيس من الثأر لأبيه فضجر واعتزم العودة إلى دياره وفي الطريق أُصيب بالجدري فلقي موته في طريقه وهو بأنقرة. ويرجح أن وفاته كانت بين عامي 530 و 540 م.

  وتختلف الروايات حول قصة امرئ القيس وحياته وهناك رواية أخرى تقول أن رجلا قد وشى بامرئ القيس عند قيصر الروم وحرَّضه عليه فبعث إليه قيصر حُلَّة مسمومة وهو في طريقه فلبسها فأسرع إليه السم وقتله وهناك رواية تنفي رحلته أصلا إلى القسطنطينية وتعدُّها أسطورة من ضمن الأساطير وهناك رواية أخرة تذكر أنه لم يطرد من بيت أبيه وكان حاضرا معه وشهد مقتله وهرب فارا من المعركة وعلى اختلاف الروايات فإنها تجتمع على أن امرأ القيس حاول الثأر لأبيه وأخذ يحرض على ذلك حتى مات دون أن يبلغ مبتغاه.

يعتبر امرؤ القيس أحد شعراء الطبقة الأولى في الجاهلية بإجماع النقاد وأهل الأدب فكان فخم اللفظ، رائع السبك، سريع البديهة، بديع الخيال، لا يُعْوز شعره البهاء والجمال والرونق، وهو يجمع في شعره بين جزالة شعراء البادية وعذوبة شعراء البلاط كونه قد مرَّ في حياته بالمرحلتين، وكان أمهر الشعراء الجاهليين في ابتداع التشبيه وسعة الخيال وابتكار الصور وإستباط المعاني، وقد برع امرؤ القيس في الوصف والغزل فوصف الليل والنجوم والفرس والديار وفي غزله قدر من الفحش والمغامرات وقد سبق امرؤ القيس أقرانه بأمور استحسنها الشعراء فاتبعوه فيها كاستيقاف صحبه والبكاء في الديار ورقة النسيب فشبه النساء بالظباء والخيل بالعقبان والعصي وأجاد في التشبيه فكان أحسن طبقته تشبيها ويُقال أن امرأ القيس هو أول من بكى على الأطلال في شعره وتعتبر معلقته من عيون الشعر الجاهلي وأجود قصائده

قِفا نَبكِ مِن ذِكرى حَبيبٍ وَمَنزِلِ

بِسِقطِ اللِوى بَينَ الدَخولِ فَحَومَلِ

وُقوفاً بِها صَحبي عَلَيَّ مَطِيِّهُم

يَقولونَ لا تَهلِك أَسىً وَتَجَمَّلِ

وَيَومَ دَخَلتُ الخِدرَ خِدرَ عُنَيزَةٍ

فَقالَت لَكَ الوَيلاتُ إِنَّكَ مُرجِلي

تَقولُ وَقَد مالَ الغَبيطُ بِنا مَعا

عَقَرتَ بَعيري يا اِمرَأَ القَيسِ فَاِنزُلِ

فَقُلتُ لَها سيري وَأَرخي زِمامَهُ

وَلا تُبعِديني مِن جَناكِ المُعَلَّلِ

مُهَفهَفَةٌ بَيضاءُ غَيرُ مُفاضَةٍ

تَرائِبُها مَصقولَةٌ كَالسَجَنجَلِ

وَلَيلٍ كَمَوجِ البَحرِ أَرخى سُدولَهُ

عَلَيَّ بِأَنواعِ الهُمومِ لِيَبتَلي

فَقُلتُ لَهُ لَمّا تَمَطّى بِصُلبِهِ

وَأَردَفَ أَعجازاً وَناءَ بِكَلكَلِ

أَلا أَيُّها اللَيلُ الطَويلُ أَلا اِنجَلي

بِصُبحٍ وَما الإِصباحُ مِنكَ بِأَمثَلِ

فَيا لَكَ مِن لَيلٍ كَأَنَّ نُجومَهُ

بِكُلِّ مُغارِ الفَتلِ شُدَّت بِيَذبُلِ

هامش: 

[1]يدهن:يتطيب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى