قرار مهم لرفع الظلم عن فلسطينيي لبنان
نهاد أبو غوش | فلسطين
يمثل قرار وزير العمل اللبناني مصطفى بيرم خطوة مهمة على طريق رفع الظلم عن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، الذين يتعرضون منذ سنوات طويلة لأبشع أنواع التمييز من قبل مؤسسات الدولة اللبنانية، وحتى من قبل جماعات مؤثرة ونافذة في هذا البلد الشقيق، فتحرمهم من العمل في نحو 70 مهنة، ومن جملة واسعة من الحقوق الإنسانية الطبيعية بما في ذلك الاستفادة من المؤسسات الرسمية في مجالات التعليم والصحة والخدمات الإنسانية الرئيسية، وتفرض عليهم قيودا مشددة تطال ظروف حياتهم في المخيمات البائسة، وتحد من حريتهم في الحركة وحقهم في التواصل الطبيعي مع أفراد أسرهم وابناء شعبهم خارج لبنان.
قرار الوزير تمثل في إلغاء بعض القيود التي كانت تحرم العمالة غير اللبنانية، من العمل في عدد من المهن بينها الطب والهندسة والمحاماة، وشمل هذا القرار الفلسطينيين حتى أولئك الذين يعيشون هم وأهلهم في هذا البلد منذ النكبة، والمفارقة المثيرة للأسى أن هذه القرارات التمييزية كانت تتم بذريعة رفض التوطين، والحرص على التمسك بحق العودة.
واللافت أن الوزير بيرم المحسوب على كتلة حزب الله، اتخذ هذا القرار بموجب صلاحياته، وكان الأمر على درجة من السهولة، فلم يضطر إلى أخذ موافقة الحكومة ورئيسها، أو توفير توافق سياسي لبناني على هذه المسألة التي ظلت لعقود مصدر ألم ومرارة للفلسطينيين، الذين يسمعون من أشقائهم اللبنانيين عبارات المديح والتغزل بفلسطين وقضيتها وبطولة أبنائها ، ولكن كل هذا الغزل لا يسري على فلسطينيي لبنان الذين يعيشون تحت وطأة ظروف تمييزية قاسية.
آلاف المناشدات أطلقها الفلسطينيون ومؤسساتهم في لبنان، ومئات الاجتماعات عقدت ممثلي الدولة اللبنانية من أجل رفع التمييز غير الإنساني ضدهم، ولكن لا حياة لمن تنادي، وظل الفلسطينيون، وتحديدا منذ العام 1982 محرومين من أبسط الحقوق الإنسانية، بما في ذلك حقهم في إعمار المخيمات التي دمرت وأخرجوا منها. كما حرمتهم هذه الإجراءات التمييزية من إدخال اية مواد بناء مهما كانت بسيطة لإعمار وترميم منازلهم في المخيمات، حيث تفرض قيود مشدد على مداخلها، ويخضع كل من يدخلها لتفتيش دقيق لمنع إدخال أي مادة تتصل بأعمال البناء، كما أن السلطات اللبنانية تحيط المخيمات بجدران وأسيجة تمنع دخولها إلا من البوابات الخاضعة للتفتيش كما تمنع التواصل بينها وبين التجمعات اللبنانية المحيطة.
تفاقمت أحوال اللاجئين الفلسطينيين وازدادت سوءا في ظل الحالة السياسية المأزومة في لبنان، إلى درجة بات فيها بعض السياسيين اللبنانيين من مختلف الأطراف يلقون باللوم على اللاجئين الفلسطينيين ويحملونهم مسؤولية المشكلات والأزمات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والسياسية، التي يواجهها لبنان منذ عقود بسبب أداء طبقته السياسية، ووصل الأمر بالبعض إلى درجة شيطنة الفلسطينيين بمجموعهم، ورمز وجودهم “المخيم” وظل الفلسطينيون أشبه بكبش فداء لأزمات هذا البلد التي لا تنتهي رغم تعاقب الحكومات والحقب، ولعل الجميع يذكر القرار الإشكالي الذي اتخذه وزير العمل الأسبق، كميل أبو سليمان، المحسوب على حزب القوات اللبنانية، بإضافة تعقيدات وشروط إضافية على عمل الفلسطينيين واشتراط حصولهم على تصاريح لممارسة اي عمل مثلهم مثل اي فئة من العمالة الأجنبية، ودون مراعاة خصوصصية وجود هؤلاء الفلسطينيين على أرض لبنان منذ اكثر من سبعين عاما.
ساهمت مجموعة القيود والعقبات التمييزية، وممارسات الدولة اللبنانية في التراجع المطّرد لأعداد الفلسطينيين في لبنان من حوالي نصف مليون فلسطيني في مطلع الثمانينات، حين كانت منظمة التحرير الفلسطينية في أوج قوتها وتمتلك مؤسسات اجتماعية وخدمية واقتصادية تشغل الفلسطينيين واللبنانيين، إلى أقل من 175 ألفا بحسب الإحصاء الذي نشرت نتائجه في العام 2017، وجاء هذا الإحصاء بعد موجات الهجرة المتلاحقة التي دفعت بعشرات آلاف فلسطينيي سوريا ولبنان إلى ركوب البحر وقوارب الموت وطرق المخاطر للهروب من هذا القهر التمييزي، واللجوء إلى اي بلد يحترم الحد الأدنى من إنسانيتهم. وقد تعاونت في إنجاز الإحصاء في حينه كل من إدارة الإحصاء اللبناني مع الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، ولجنة الحوار الفلسطيني اللبناني التي قال رئيسها حسن منيمنة أن نتائج هذا الإحصاء تتيح إمكانية كسر المحرمات السائدة، كما أكد ممثلو اللاجئين والمحللين المنصفين من اللبنانيين أن هذه النتائج تسحب الذرائع من دعاة التمييز ضد الفلسطينيين.
التعامل مع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان خضع غالبا لمعايير وزوايا نظر طائفية من قبل الأطراف اللبنانية التي تدعي خشيتها من أن توطين الفلسطينيين في لبنان سوف يخلّ بمعادلات التوازن الطائفي الحساسة، ولا بد من الإشارة إلى أن هذه الحساسية لم تبرز عند تجنيس أغنياء الفلسطينيين بعيد النكبة، ولا عند تجنيس اللاجئين من الفلسطينيين الموارنة، ولا اللاجئين الشيعة المنحدرين من القرى السبع في فلسطين، أي قرى هونين والمالكية وقدس وإبل القمح وتربيخا وصلحا والنبي يوشع.
في لبنان كثير من السياسيين والمثقفين الذين أنصفوا الفلسطينيين وانحازوا لمنطق الأخوّة والعدالة والإنصاف ونذكر منهم على سبيل المثال الكاتب الكبير طلال سلمان الذي عدد في مقالة شهيرة، وبالتفصيل مآثر الفلسطينيين وفضلهم على لبنان الحديث، ومن هؤلاء ايضا الفنان اللبناني الراحل ملحم بركات الذي أرجع الفضل في تطور الأغنية والفن اللبنانيين إلى الفلسطينيين، ولا ننسى بالطبع المثقف والمناضل والأديب اللبناني الراحل سماح إدريس الذي خسرته فلسطين قبل أيام قليلة.
يبقى أن قرار الوزير بيرم هو خطوة على طريق إلغاء كل أشكال التمييز سواء في القوانين أو المعاملة، ويعلم جميع اللبنانيين أن الفلسطيني لن يبدل وطنه بكل مغريات الدنيا، لكن التمسك بحق العودة لا يتناقض، بل يتطلب اولا وقبل كل شيء احترام إنسانية الفلسطينيين. كما أن المطلوب من الجهات الرسمية الفلسطينية مواصلة العمل مع الأطراف المختلفة لرفع كل أشكال التمييز عمن احتضنوا الثورة في احلك الظروف، وبات لديهم شعور واسع بالتهميش والإهمال وأنهم تركوا ليواجهوا مصيرهم وحدهم.