سر غرفة 202 .. قصة قصيرة
د. تامر محمد عزت | مصر
“مستقبلا سيتحول مرض الاكتئاب إلى عرض ولن يكون له علاج نهائي، وسيتم توفير الأدوية المضادة للاكتئاب في صيدليات التأمين الصحي وسيُكتب ضمن بعض الأدوية في الوصفة الطبية”… كان هذا رأي صديقي الطبيب النفسي، قالها أثناء جلسة من جلسات العلاج ، نعم..أنا مُصاب باضطراب نفسي وهو الاكتئاب .
من أنا ؟
أنا كاتب مشهور ..أعمالي الأدبية منتشرة في السوق العربي وتم تحويل بعضها إلى مسلسلات تلفزيونية وأخرى إلى مسلسلات إذاعية ، وكان أحد المنتجين طلب منّي كتابة فيلم سينمائي ولكنني غير مستعد ، فأنا في حالة نفسية سيئة جدًا ، والسبب هو ظهور عدد زائد عن الحد لبعض الشباب في السنوات الأخيرة وكأنهم بالفعل أدباء وروائيين لهم شأن وثقال الرأي والفكر ، لا أريد أن أدخل في تفاصيل مملة حتى لا تزداد نفسيتي سوءا ، المهم أنني قررت الاعتزال والانسحاب من هذه الساحة التي تدعي أنها ساحة أدبية وثقافية ، ومنذ أن أحرقت اوراقي وكسرت اقلامي وانعزلت عن الأضواء وأنا وقعت أسير الاكتئاب ، لا يوجد قصص جديدة ولا نصوص أدبية تنويرية ولا أي نتاج ثقافي ..تساقطت أوراق التقويم الميلادي لسنة كاملة وبعدها ذهبت بهذا الاضطراب اللعين الى صديقي الطبيب وحدد عدة جلسات، وكانت تلك الجلسة وهذه الجملة هي الأخيرة ،ونصحني بأن أسافر إلى مكان جديد…ودلني على فندق سمع عنه بأنه مثير للجدل وبه قصص وغرائب ، لعل قصة منها تُغير حالتي النفسية، وبالفعل..قررت خوض التجربة و السفر بدون علم أحد… أنا فقط من أعلم إلى أين سأذهب وكانت بداية المغامرة التي لم تكن في الحسبان.
^^^^
استيقظت باكرًا بعد قضاء ليلة مريحة في هذا الفندق ، الغرفة على مستوى عال من النظافة والنظام ، خرجت منها إلى الشرفة وملأت رئتي بأكسجين نقي ، أغمضت عيني لبرهة ثم فتحتها لأجد ملاك هبط من السماء مبكرًا ،يقطن في الغرفة المجاورة ، ماذا تفعل تلك الإبتسامة الصافية في هذا الوقت ، أمعقول تنتظر الإفطار في مطعم الفندق مثلي ؟ ابتسمت لها وردت الابتسامه بأحسن منها، في لحظات قليلة عرفتني وبسرعة أعجب طلبت اللقاء الأول في مطعم الفندق.
^^^^
جاءتني في يديها ملف صغير، وبعد تبادل التحية والسلام أعطتني الملف لأحد بداخلها بعض الأوراق
^^^^
أوراق محترقة ( قصة قصيرة)
عاد الزوج من عمله وقلبه يمتلئ بالاشتياق إلى زوجته فقد مر الخمسة أيام في تكاسل السلحفاة عمله كمهندس مدني حرمه من اللقاء اليومي لزوجته العروس ، دلف منزله وترك مفاتيحه في الباب بعد أن أحكم الغلق ، حمل نداءه عليها لهفة غير متكلفة وعلى شفتيه ابتسامة كبيرة قابلة للذوبان على شفاه حبيبته في الحال ، تكرر النداء وقدميه تحمله بين ثنايا الشقة ، دق قلبه بخوف بسيط وابتسامته تتلاشى ببطء كضباب الصباح عند بزوغ أشعة الشمس ، لا إجابة لندائه ، ساوره القلق وأخرج جواله المحمول من جيب بنطاله سريعا وقام بالاتصال عليها.. كانت النتيجة أن هاتفها المحمول مغلق .. نزل اختفاء زوجته من شقته لا بردا ولا سلاما ..نصب نفسه ضابط مباحث في وقتها وظل يبحث عن أي عنف حدث في غيابه بين الغرف والمطبخ والحمام… ولكنه وجد كل شيء في مكانه إلا بضعة أوراق على سرير غرفة النوم… حملها وقرأها بسرعة وأخذ يُقلب بين تلك الأوراق بغضب وعصبية وأنفاس تكاد تحرق أوراقها وتحرق العالم كله..تحول إلى كتلة من اللهب الحارق وانصرف.
– ١ –
” رغما عنّي ..لم أكن أحبه… خمس سنوات من الخطوبة… ولم أحبه.. مهندس.. وسيم… ثري…ستكون حياتي كأميرة مدللة ..ولكنني لم أحبه…اكتسبت سيئة وأحاطت بي خطيئتي عندما تنازلت “
قرأ والدها تلك الكلمات وهو غير مصدق ، ألجم لسانه ولم ينبس ببنت شفه ، كان شاهدا على الأحداث منذ البداية ، كانت قُرة عينيه لا تريد الزواج بالفعل ولكن موقفه كان ضعيفا أمام رغبات أمها ، حُجة أم العروس كانت بالفعل قوية ومحسوبة.. لم يتخيل يوماً أن ابنته ستكون نسخة مماثلة من إحدى بطلات الأفلام العربية القديمة… لاح في الأفق بدايات الأمر… وصمت وكان صمته…كارثة
-٢-
” نعم… خلعت الحجاب… قبل الزواج… لعله يكون سببا في وأد تلك الزيجة قبل إتمامها “
-لماذا أخذتِ القرار بمفردك ؟
-لا شأن لك
-انا خطيبك
-وأنا حرة
-خطوبتك كانت وأنتِ محجبة
-والآن لست كذلك
-عن اقتناع ؟
-بلا شك
– ثم ؟
-القرار لك
-سأمنحك فرصة أخيرة
-لست في حاجة إليها
-إذن… كل منّا يذهب إلى طريقه
-٣-
” لكن… القدر كانت له كلمة أخرى…كلمة ممثلة في سيدة القصر “
غدرت بنا أيها العريس
لا… لم يحدث… ابنتك السبب..
ولأنها السبب… تتركها وتخطب غيرها بهذه السرعة ؟ هل حماتك الجديدة أجمل منّي ؟ انا من اخترت لكي تتزوج ابنتي… واخترتك انت… هل هذه هي النتيجة ؟
انا في حالة وفاق تام مع خطيبتي
لن تكتمل
كيف ؟
اسمع… . . .
-٤-
” الثعبان الناعم… أمي…لا أعلم كيف اقنعته بفسخ خطوبته الثانية… .وعاد راكعا… وأناب…ومع دس السُم في العسل…تم الزواج ” .
– ٥ –
” كانت أرض أوروبا هي الشاهدة على شهر العسل وبعد العودة… تفرغت للإنترنت “
-٦-
” مر عام كامل بدون إنجاب… وبدل أن نحتفل بأول عام زواج.. احتفلت بمفردي بالطلاق.. وسط اندهاش الجميع “
^^^^
“الملاك يكتب قصة قصيرة …غريبة ”
همست لنفسي بتلك العبارة بعد أن أبديت دهشتي بقراءة تلك القصة المبتورة من تفاصيل كثيرة
” هل أعجبتك ؟ ”
صوتها الناعم جعلني انتبه من شرودي المؤقت.
-لا بأس..بداية موفقة..ولكن هذه ليست قصة قصيرة بالمعني الحرفي ، يمكن أن يُقال أنها مجموعة عناوين لقصة أكبر من ذلك..هل هي حقيقية ؟
-بالفعل يا أستاذي الفاضل.. أنها قصتي ،وأنا حاليا في فترة استجمام..
تناولنا الفطور وبعدها الشاي والقهوة وقضينا اليوم سويا… كانت ناضجة بما يكفي فهي باحثة عن الحب الحقيقي.. الحب الذي عايشته بين جدها وجدتها وليست علاقة المصلحة بين والديها… الحب الذي أخبرتني بتعريفه هو شرارة المودة والرحمة… أجمل أنواع الحب هو الحب في كل الظروف.
حديثها فتح شهيتي لأن أمسك القلم وأسطر قصتها.
^^^^
لم أجدها ثان يوم… لم أعثر عليها باقي الأيام …كما هبطت من السماء…عادت مرة أخرى.. بدون كلمة وداع… حزنت جدا على فراقها… ارتبطت بها بشكل مؤقت.. وهذا خطأ مثل خطأ الطبيب عندما يرتبط عاطفيا بالمريض…ولكنها كانت فرصة لأكتب رواية قصيرة ” أوراق محترقة “..ونشرتها مع مجموعة قصصية أخرى..ووجدت رواجا واسعاً بين القرّاء ..وتم إعلان حفل توقيع الكتاب …ولم أتوقع ما حدث.
^^^^
( فلاش باك… قبل مغادرة الفندق )
أثناء قيامي بمغادرة الفندق لمحت ورقة مرسومة لفتاة.. كانت تلك الملاك التي كانت في صحبتي أول يوم وصولي لهذا الفندق ..وبدافع الفضول سألت موظف الاستعلام عن تلك الرسمة.. ابتسم ابتسامة خفيفة وقال:
لا نعرفها… إنما هي ” سر غرفة 202“ الغامض للجميع… فتاة تظهر فجأة وتقضي يوم مع أحد النزلاء وتختفي ..لذلك قررت إدارة الفندق بغلق هذه الغرفة المريبة.. والذي رسمها أحد الرسامين الذي كان هنا يوما في نفس غرفتك… وظننا أنها احتالت عليه أو شيء من هذا القبيل ولكنه لم يحدث.. وقام برسمها وأعطى نسخة لنا.. بحيث لو ظهرت.. نعاود الاتصال به… ولكنها لا تظهر إلا قليلاً ولم يفلح الأمن في الإمساك بها وكأنها شبح… أو قصة خيالية من رواد الفندق.
^^^^
( بعد حفل التوقيع ) بين الزحام وجدتها
“نعم..انها هي..الملاك الهابط من السماء كما سطرت في روايتك أو روايتي ” .
كانت تلك هي عباراتها التي ألجمت لساني وفقدت النطق لعدد من الثواني..وبصعوبة بالغة سألت : كيف ؟
أجابت :
“انا موظفة في ذلك الفندق، وبسبب الكساد الاقتصادي وقلة العمل..فكر صاحب الفندق في حيلة… باختصار… أظهر لعدد محدود من المشاهير والفنانين…واقضي معهم يوم أو أثنين أو أكثر ثم اختفى.. والاختفاء بعد أن يتعلق ( الزبون) بشخصيتي أو أشعر أنه قد وقع في شباكي أو في حالة حب… وبعدها قد يسأل عنّي أو لا… المهم أكون قصة يكتبها على السوشيال ميديا… ولستِ وحدي… فنحن كذا فتاة تلعب تلك الدور… ونجحت اللعبة عدة مرات ..وأصبح الفندق شهير بغرفته المغلقة وقصة الفتاة التي تظهر وتختفي… ولأنك كتبت الرواية…بتفاصيل ما حدث معك… أوقفوا العرض…وفصلوني من العمل. “
-تمت –