أدب

أسطورة

شعر: د. أحمد نسيم برقاوي

جبت الكون شغوفاً
عقلاً براقي الروح
علي أراني في مرآة الكون
وأرى الأزل
ومقبرة النجم .
فرأيت الكون ملولاً ،
يده تسند وجهاً
يقتله الصمت .
لكني ، وأنا أتأمل وجه الكون ،
تهادى إلي همسُ
وهمسُ الكونِ
أعلى من أعلى أصوت كل رعود الأرض .

خاطبت الكون إن كان يعيش مأساة كوكبنا المقهور
بكل طغاة القتل
فأجاب :
موحشة أنحائي ،
وفضاءاتي الملأى بالأفلاك
فارغة ،
وكل عيون الأنجم ذابلة ،
نجم يولد ،
وتموت نجوم أخرى ،
لكن حالي في جدب ٍ .
قلت يا كون :
كون لا آلهة فيه
كون أعمى .
كون لا تعُشق فيها آلهة الأفلاك
و الأنجم لا ترقص في حضرتها
إذ تتدفق من عيناها
أنهار الألوان والأنوار ،
تأوي إليها آلاف الشهب ،
ليس بكون .
أبتسم الكون فأومأ ،
فإذا سرب من نرجس
جنات الكون
فرحاً مختالاً يتهادى .
فقال :
آلهة من نرجس هذا الكون
يا آلهة كوني .
وخذي ما أملك من لون عيوني ،
واغتسلي عشقاً
بالمطر المنسكب
من نبع جفوني .
ورداءً أخضر من عنقي
في الصبح اتشحي ،
آلهة من نرجس هذا الكون
يا آلهة كوني .
ورد الشام يتهاوى
بين يدي الكون يتعالى
فغنى :
من ورد فيافي الشام
يا آلهة كوني .
ألوان الورد كل الورد
لون الجسد يكون .
تغمر أنحاء الكون .
من وهج الشمس
حتى مقبرة النجم .
من ورد فيافي الشام
يا آلهة كوني
لغة العشاق هو الورد ،
دماء العشاق هو الورد ،
وأكاليل العرسان .
النار ، مثل خيولٍ برية ،
تجوب الأفلاك .
يتطاير منها اللهبُ .
ومن حنجرة يصاعد منها الجمرُ ،
راحت تصرخ :
من نار الكون يا آلهة كوني .
روح السرمد في النار .
وقوت المعبد والعابد .
روح الأشياء قبل التكوين .
آلهة ترقص رقص اللهب ،
يتطاير من عينيها شرر الشبقِ ،
تداعب صدر الفلك ِ
بآلاف الشهبِ
من نار الكون يا آلهة كوني .
الريح تدور وتلتفُ
ترقص عاصفة ونسيماً ترقص .
آلهة من ريح فضاء الكون
يا آلهة كوني .
تعزف موسيقى حزن موات النجم .
تواسي عذابات مخاض ،
الخلق الأبدي ،
تحمل موسيقى عزف النايات ،
وبوح الكوكب للشمسِ .
وتصير آهات الوجد ،
من نار الكون يا آلهة كوني .
ومن قلب الريح طل المطرُ .
آلهة من سحب الأمطار يا آلهة كوني .
من قطر يطفي نار الوجدِ ،
ويداوي جروح الروح ،
وتشفي عطش النفسِ إلى النفس ،
وتحييّ ما يـبس من أشجار القلب .
آلهة من سحب الأمطار
يا آلهة كوني .
أسراب ، من كل الأنحاء ،
جاءت راكعة ً ،
خاشعة عند الأقدام الأبدية .
وأشهد:
أن عراكاً كونياً قد قام .
ورأيت دخاناً من كل الألوان ،
وكان الشيطان بقربي مسحوراً ،
يتأمل في المشهد.
حدثني الشيطان فقال
يا أحمد :
منذ الأزل وأنا أتنقل
بين الأفلاك ،
لكني لم أشهد يوماً
ما أشهد .
هذي الفوضى ما كانت يوماً
فوضى صراع .
صراع الأنحاء مع الأنحاء ،
وصراع النور مع النار ،
صراع الزهر مع الريح .
لم أشهد يوماً :
كيف يخر النور صريعاً ،
وكيف تـنـز جراح النار دماءً ،
وكيف يعاند قطر الماء
جموح الريح .
لم أشهد يوماً :
كيف تصير عيون النرجس
أضوء من عين النجم .
وبينا الشيطان يحدثني :
فإذا الأشياء
كل الأشياء قد انصهرت .
وانقشع غبار عراك الأنداد ،
وطلت آلهة
فيها كل صفات الأضداد
ذهل الشيطان وغاب،
غاب ،
والكون وقد أغمض عينه ،
مندهشاً
خطفت في غفلة منه
آلهة الكون
وعدتُ بها إلى أرضي مسحوراً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى