أسيجة اللذة وطوطامية عواهن الجسد في رواية ” حارسة الموتى ” للروائية عزة دياب
أحمد ختاوي | الجزائر
اندلاق اللذة من غمد الرمس وشرعنته في الرمس كمقوم منزوع من قيمه السلوكية لدى حمدية كبعاث مفصلي منخور في تأثيث معنى اللذة ، أو ما قد نصطلح هاهنا – جزافا – “النبش التبريري الاستباقي ” معادلة تدعو إلى تبرير المفعّل وإن كانت نتيجة العوز والترمل، في هذه اللذة الإستباقية بين ما يدعو إلى التأمل في أول بطل رئيس رائد لها “الداهش “، لتليه حمدية، جابر الأستاذ عبده، أو إسماعيل وغيرهم
انطلاقا من ” أسطرة الحكي” كمدّ ومدد تسريدي في راوية “حارسة الموتى، وهؤلاء شخصوها المفصليون، وفيهم التابعون لهذه اللذة : ماهر، سعدون في شكله الأسطوري، الارتدادي، يشكلون القطب الوحيد وهو اكتناز المال وأسطرة المفاهيم –سردا – وتصنيم الميت كعبادة “شجع ” حجز حيز أو مقعد أوكرسي ريادة من قبل هؤلاء بجوف الرمس بات لديهم من “ألوهية ” الريادة وسطوة وسلطة الذات والبداهة والحنكة والخبرة والمغامرة في ذات الأوان لكن بقليل من الخوف والجزع والوجل، بات “صنعة” ظافرة تجلب الأساور والذهب وغنائم الموتى الطازجة، “أخلدة الروح الملتحقة بباريها لم تشكل لديهم عامل الرأفة، بقدر ما كانت مغنما لجلب ما تبقى من أقراط ومجوهرات خاصة عند العرائس الجديد، مثلما حدث مع عروس ماتت في أسبوعها الأول فنًهش قبرها وسلبت منها أساورها وخاتمها.. ضمن هذه المسلمات والأنساق تغدو عجرفة وجلافة الطباع في التعاطي مع مثل هذه السلوكات امتراس هذه المهنة جيء بها من واجهة العوز، وتحتاج إلى مراس بالمقابل وتدريب على قهر الروح وتجريدها من عطفها اللحد يئن وحمدية وأعوانها ينشدون الظفر والربح، لا تهمهم أواصر الروح بالجسد.. أواصر ” الذرائعية” تغدو من وجهة أخرى قيّما مثالية في منظومتهم السلوكية. همهم الأكبروالمحوري من “يهبش” أكثر ويخزن غنائمه بالمعبد
إذا كان قول الشاعر الفرنسي (باتريس دوبان، 1911-1975): (البلاد التي لا أساطير لها، محكومةٌ بالموت من البرد، فإن هؤلاء لا يهمهم أيضا منها هذا المقوّم الحضاري، الاجتماعي غرائزية رجب مع ماهر أنتجتا لذة عشيرة الطوطامية في أبشع أبعادها اللاحضارية. اللإنسلنية، تجيء هي الأخرى بتفعيل من دواعي عوز رجب مع والدته ومأساتها فانعكس على سلوكه المجتمعي
ماهر المدلل بالمدرسة والذي كان يهرب مع صديقه سعيد العائد من العراق والذي خذله أخوه في ميراث كان حجره الأساس والدة رجب غسالة الموتى وحارسة القبور والموتى فيما بعد والتي رمت ذات اشتهاء بيولوجي من قبل الأستاذ عبده موثق كل العرائض بالبلد أطمارها الرثة ببيت الأستاذ ولبست جلبابا واستجابت لنزوعتها هي كذلك فارتمت بسريره وبين أحضانه ينهها وتنهشه كما يمهشان القبور، وهي لا تدري إن كان إنسا أو عفريتا ، وهو بنهم اشتهاء يزأر جوعا جنسيا.
استطلعت حمدية نزوتها الغرائزية طمعا في الزواج به، علما بأن هذا الأخير لم يتزوج قط حتى أشيع عنه في الأوساط بأنه متزوج من جنية.. بعد محاولة اجتذاب وإغراء شقيق زوجها، حديث الوفاة ، رغم غيرة زوجة أخيها كلها عوامل أنتجها العوز وهو انعكاس لحالة التردي المعيشي في أعقاب “نهرات” حماتها ودفعها للزواج ، حتى تنفق على ابنيها : حامد و رحب
ففكرت بغواية الغريزة أن تتزوج وتستدرج شقيق زوجها وغيره وإن كان بغيا في انتظار ترسميه كما حدث لها مع زوجها الذي لم يسجل أبناءه بسجلات الحالة المدنية عقب زواج عرفي إلا بعد أن طلبها الأستاذ في وثائق كانت ضرورية إفادته بها لتحديد هويتهما وتسوية حالة معاش فاضطر أن يسجلهما على أسم جدهما وهو نسم اسم أبيهما .
في ذات مشهد من روايتها قد لا أفصح عن موت حمدية وكيف ماتت ورجب ابنها كذلك، حتى أترك للقارئ نكهة التجلي في ماهية “رواية ” حارسة الموتى” بالرغم من شيوع الخبر أن رجب تعرض لحادث سير فمات
أين “مخزونات” ماهر وعمران ودهاءه والولد المحتجزأ، ين الديباج واللؤلؤ والمجوهرات وخبث ودهاء حمدية ضمن مشدية من روايتها ط حارسة الموتى ترشرش في أول مشهد لها الروائية عزة دياب جزءا من تضاريسها الحكائة بأول ذروعها “الداهش” أمام واجهة للتماهي بأسطرة العفاريت وانبعاث .
“الداهش” كمبنى دلالي وكتوظيف محكم في جلب ذائقة المتلقي. الداهش خوذة الحكي والقص في تعاضدية سردية متزنة مغرية تمكنت فيها الروائية بوعي ساردة تمتلك ناصية التوظيف من القبض على مكونات وكينونة السرد بكل أبعاده وعلى هوامشه تزرع ألفاظا ملغمة ب إدهاش ثاني بكل ما تمتلك جماليات السرد من مقومات وتقنيات التعاطي مع قشرة السرد وبواطنها، بمعنى” تسريد الممكن في زمكانيته وتضاريسه بوعي لافت، فكان الداهش واجهة هذه المفاصل السردية بامتياز، مشفوعة ب” بوثبات ” باللغة العامية المصرية أضفت نكهة مميزة على ” حارسة الموتي” كمقوم سردي دامع على صعيد الوجهتين: استطيقيا “الشكل والمضمون والتأثير في المتلقي معا ، فكان الإدهاش من “الداهش ” أحد الشخوص الرئيسيين منعطفا محوريا لافتا .
اختيار ” الداهش كإستهلال ظل لفظا ملغما بحنكة ساردة تعي ما تسرد عبر ممرات لحظات “ماضوية “فلاش بيك ” هذا الذي ألجمته الروائية عزة ديب بكل اقتدار مما ينم على أنها تمتلك ناصية “الطرز الجمالي” كغلاف لمضمون مؤثر قادم عبر فصول ومشاهد متتابعة، اختارتها ولولولبتها أي المشاهد والفصول – بعناية فائقة الاسترجاع لديها مؤثث أيضا بحنكة وتؤدة ومراس مما أكسب الرواية “حارسة الموتى” سُمكا دلاليا عزيزا.
لم تكن الروائية عزة دياب عرافة “وهي تستنطق عالم الجن والعفاريت، ككاهنة أو “قارئة طالع أو فنجان بل كانت مؤثثة، ومؤرخة لواقع مجتمعات عاشت على “أسطرة ” سقف الإيمان بأن ” الجن تسكن الموتى وتتحول إلى أشباح ضمن هذه الأنساق فككت أطر بناها المعماري التسريدي على جميع الجبهات . فكانت قارئة هذه السياقات الشعبية بوعي تنقيبي وإريكيلوجي أيضا في الحارات المصرية القديمة الشعبية وما ألت إليه الخرافة في أوساط النسوة وعند الصيادين بضفاف النيل وبمنتج ” رشيد “
ضمن هذا المدارات أسست الروائية عزة دياب لمفهوم روائي وازنِ استقرأت فيه انثروبولجيا الطبقات الفقيرة والجاهلة. لم تمارس السياسة في روايتها هذه الا قليلا بإيحاءات خاطفة وعيا منها بأن ذات الرواية تتحدث عن عالم الأموات وهي من كانت حارسة المقابر والموتى معا.
استجلاء الأحداث في رواية “حارسة الموتى” تتقاطع أيضا مع مبنى انثروولوجيا “الوهم” وحتى فلسفيا في تطابق تنظيري مع مقولة مقولة الشاعر الفرنسي (باتريس دوبان، 1911-1975): ” البلاد التي لا أساطير لها “، محكومةٌ بالموت من البرد ” ، هذا الأخير الذي يقرن في مقولته في ما معناها “
يقصد من لا يمجد ثقافته يلسعه برد اللاهوية، في هذا المنظور يستدعي باتريس دوبان النخبة أن تتشبث بمقوماته الحضارية والتثقيفية مثلما تستدعى هذا الانشغال الروائية عزة دياب بيئتها وعالم الخرافة فيها من منظور استطلاعي اجتماعي. فيما تذهب إلىأبعد من هذا، فتجتث الروائية المصرية هذا المنحنى البنائي الانثروبولجي في اجتلائها لخبايا الموروث الشعبي العام في سذاجته على صعيد “مكننة” المفاهيم الحضارية -سردا- وغيرها وهويةالشعوب (الشعب المصري كنموذج للمعتقدات العربية والمشرقية ، فتجنح الروائية عزة دياب إلى الوعي الباطني كقيمة ماهية وخيمة العواقب من خلال استبطان الوعي الشعبي وتداعيات وتبعات هذا الاعتقاد.
بالدفء بنار الأساطير ولو كانت وهمية أو لا تستند إلى أسانيد ، فقط – ضم سياقات السردية – التثقيبية. تستظهر وعي العامة بأشكال مختلفة ، هذا ما تمكنت بوعي بنائي هندسي وتنقيبي الروائية عزة دياب من قصه”علامة مسجلة” في معتقدات الشعوب المشرقية بتضاريس حكائية في غاية العجائبية السحرية ، وأنت تقرأ “حارسة الموتى” كأنما أنت أمم رواية غارسيا ماركيز في مده الاستبطاني خاصة روايته :مئة عام من العزلة وبالتحديد قرية ما كوندو كوعاء لمجريات الرواية
تعالج هذا الإرث التقاطعي بين الموت والحياة بلسان المخاطب على لسان بطلتها الرئيسة حمدية متبوعة بشخوص ثانوية: العربي، ابنيها : حامد وجابر وعمران، وماهر وسعيد وجارات الحارة وغيرهن من مكونات هذا العمل الكبير “حارسة الموتى” الذي حصد جائزة راشد بن حمد عن جدارة واستحقاق: إذا كان الشاعر الفرنسي بول فاليري (1871 ـ 1945)، في مقولته المعروفة يقول من منظور استنطاقي واستنباطي :“نحن، الحضارات ، إننا نعلم أننا فانون. ” لماهية الروح بمعزل عن الجسد وطوطامية الغواية والعوامل البيولوجية ،، فإن الروائية المصرية عزة دياب لم تستثني العامل البيولوجي: أثنية ” ماهر” وعلاقته المشبوهة مع رجب المنحدر من بيئة فقيرة أمه حمدية التي ترملت فأصابها العوز حتى العظام وحتى النخاع فاشتغلت “غسالة موتى” وحارسة مقابر ، رجب لم يفلح في دراسته، التحق بمهنة أمه التي كانت تصحبه معها إلى المقابر ، فكان فضوله كبيرا في معرفة ما تقوم به أمه من نبش للقبور واجتلاب رزقها من غور الغياهب، ولو على حساب القيم الإنسانية من جوف المقابر ومن باطن الأرض، قبل أن تمتهن هذه المهنة التي ذرت عليها أموالا طائلة ، علما أنها كانت تبحث عن رجل ولو بعلاقة غريزة قبل ثرائها من منتجات القبور وغلبتها ..
في البدء ، المهم أن تظفر برجل وهذا ما حدث لها مع الأستاذ عبده ماهر المخنث يربط علاقة وطيدة مع ابنها رجب الذي يتعاطى الحشيش ويلف في كل سيجارة كميته التي يتلقاها من ماهر وغير ممن يساعدهم نظير جهده وأتعابه.. “ماهر ” المترف يسخر الجن لينقب عن الكنوز بالمنازل والأبنية المهترئة بمساعدة أعوان له، فيهدم المباني الهشة ويحولها إلى عمارات فاخرة. هذا المترف رجل أعمال له نفوذ بالأوساط الحكومية النافذة في البلد .
الرواية على الصعيد الايركولوجي الفني المعماري التسريدي، تتقاطع الروائية عزة دياب مع النسيج السردي الكلاسيكي، النجيبي، نسبة إلى نجيب محفوظ وجزءا من تقنيات التعاطي مع الشخوص وفق مقتضيات النسيج الذي لا يمجد بطلا بعينه كما في الرواية الكلاسيكية فهي تنحت دلائلها وفق مقتضيات الحبكة كما الروايتين الجدد وعلى رأسهم رائد الرواية الجديدة آلان روب غرييه، ناتالي ساروت، ميشيل بوتور وغيرهم .
في صلابة المعطى العام للنسيج الجمالي ، الاستطيقي ووقائع الزمكانية في تسريدها وتحريكها لشخوصها الرئيسيين والثانويين معا حسب كل حالة حسية وحسب متطلبات كل مشهد وفصل بلغة تغترف من قناعتها بأن التبيئ يجب أن يكون حاضرا كحمولة معرفية وثقافية. ودلالية لتحديد المكان والزمان .
مع تحميل الوعي الترابطي بين مشهد ومشهد منفصل لكن بدوران ارتدادي للبطلة حمدية.. وهذا ما لمسناه لديها بين فصل وفصل ومشهد وآخر . امتدادا واغترافا من ثقتها في إمداد المتلقي بمكوناتها انطلاقا دوما من حمولتها الاستنباطية في تسريب هذه المكونات إلى القاري في حلة تاريخية لوقائع أزمنة بعينيها تدليلا للعقبات والعوائق المفصلة، وهذا ما اكسب هذا العمل عن جدارة حيازة جائزة الروائية المصرية.
عزة دياب فوز روايتها “حارسة الموتى” بالمركز الأول فرع الرواية كبار لجائزة راشد بن حمد امتداد واغترافا من تبيئها للموروث العام لهذا الإرث الخرافي على وجه التحديد بخاصة الإنسان المشرقي في تسويق ضمني أيضا إلى باقي البيئة العربية الأخرى وهنا أحالتنا وهي تتعاطى مع الجنس كممول للسرد وبعدها الدلالي التغلفي برائعة الطيب صالح: موسم الهجرة إلى الشمال وبطله سعيد، غير أن الروائية عزة دياب وهي تتقاطع مع هذا المنحى تناولت هذا السلوك المشرقي لا لكونه تعطشا لهذا الغريزة البيولوجية وإنما من منظور استبطان هذا الجانب من وجهته البيولوجية ..وكغواية عند الحاجة في فلسفة واعية في تناول فلسفة الموت والحياة كمعطى دلالي بأنه أي الموت نعمة للفقراء وانتقام من المترفين والأغنياء..
ضمن هذا السياق الرؤيوي تناولت بوعي فلسفي كبير هذا التجاذب في مأربه مع فاليري وكافكا وحتى الروائي الطاهر وطار في”الشهداء يعودون هذا الأسبوع”، حيث هذا الأخير بصورة تمجيدية يؤسس لمجد ارتدادي ليفصل بين الخلود وفساد من هم على البسيطة، فيما تستدل الساردة عزة دياب في روايتها”حارسة الموتى” من أزقة مصر الملتوية نسجا ومعمارا فنيا محليا لذات الاشتغال على مستوى المبنى العام ،وهذا ما أكسبها تفرد الألفاظ الملغومة وحتى جاذبية مغناطسية الطوطامية كاشتهاء حيواني صرف.،