عيد الأضحى المبارك.. قبس من خواتيم سورة البقرة
د. خضر محجز | فلسطين
يقول تعالى: ﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير﴿284﴾ آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴿285﴾ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ ﴿286﴾
في هذه الآيات الثلاث نرى كيف تلتقي فواتحُ سورة البقرة خواتيمها: فإذا كان التنزيل العزيز قد اشترط صحة الإسلام بضرورة الإيمان بالغيب، كل الغيب، ما فهمته عقولنا وما لم تفهم؛ منذ قال في الآيات الثلاث الأولى من السورة: ﴿ألـ~ـم^ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ^ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾؛ فالآن تأتي الخواتيم فتقول نفس المعنى وتؤكد عليه: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
وهكذا يتعانق المطلع مع الختام، في تعزيز حقيقة الإيمان. فليس مؤمناً بالله من لم يؤمن بحكمه في الغيب. ولا إيمان لمن يشترط على الله أن يأمره بما يقبل عقله، وهيهات أن يفقه العقلُ أسرار السماوات والأرض والعرش والكرسي والميزان.. وهيهات أن يفهم القدر، الذي هو فعل الله. فإذا كان ذلك كذلك، فثق بالأقوى والأعلم والأرحم بك من نفسك، والأقدر على فهمك من عقلك: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾؟ (الملك/14).
ألا وإن هذه الآيات لنورٌ يهدي به الله من يشاء من عباده إلى سر الإيمان: فعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: “بينا جبريلُ قَاعِدٌ عند النبيِّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ سمع نَقِيضاً من فوقه، فرفع رأْسَه، فقال: هذا بابٌ من السماء فُتحَ اليوم، لم يُفْتَحْ قَطُّ إِلا اليوم، فنزل منه مَلَك، فقال: هذا مَلكٌ نزل إِلى الأرض، لم ينزل قطُّ إِلا اليومَ. فسلَّم، وقال: أَبْشِرْ بنورَين أُوتيتَهما، لم يُؤتَهما نبيٌّ قَبلَكَ: فاتحةُ الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إِلا أُعْطِيتَه” (صحيح مسلم).
فسبحان الله ما أيسر الإيمان لمن يَسّره له الله! وسبحان الله ما أجمل الإيمان لمن اهتدى قلبه للاستسلام لغيب الغيوب! ومن يفعل، كفته الآيات كل ما همّه وغمّه، كما قال الصادق المصدوق صلوات ربي وسلامه عليه وآله: “الآيَتانِ مِن آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ، مَن قَرَأَهُما في لَيْلَةٍ كَفَتاهُ” (متفق عليه بلفظه).
هذا ولقد بَيَّنَتْ لنا مناسبةُ النزول شيئاً من هذه البركة، وكثيراً من نور الطاعة التي بذلها الصحابة؛ فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال:
“لَمَّا نَزَلَتْ علَى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: ﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير﴾ قالَ: فاشْتَدَّ ذلكَ علَى أصْحابِ رَسولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ـ فأتَوْا رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، ثُمَّ بَرَكُوا علَى الرُّكَبِ، فقالوا: أيْ رَسولَ اللهِ، كُلِّفْنا مِنَ الأعْمالِ ما نُطِيقُ، الصَّلاةَ والصِّيامَ والْجِهادَ والصَّدَقَةَ، وقدْ أُنْزِلَتْ عَلَيْكَ هذِه الآيَةُ ولا نُطِيقُها. قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: أتُرِيدُونَ أنْ تَقُولوا كما قالَ أهْلُ الكِتابَيْنِ مِن قَبْلِكُمْ سَمِعْنا وعَصَيْنا؟ بَلْ قُولوا: سَمِعْنا وأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وإلَيْكَ المَصِيرُ. فَلَمَّا اقْتَرَأَها القَوْمُ، ذَلَّتْ بها ألْسِنَتُهُمْ، فأنْزَلَ اللَّهُ في إثْرِها: ﴿آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾. فَلَمَّا فَعَلُوا ذلكَ، نَسَخَها اللَّهُ تَعالَى، فأنْزَلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ (قالَ: نَعَمْ) ﴿رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا﴾ (قالَ: نَعَمْ) ﴿رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾ (قالَ: نَعَمْ) ﴿وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ (قالَ: نَعَمْ)” (صحيح مسلم).
قلت: وقوله في الحديث: (قالَ: نَعَمْ)، هي من صلب كلام الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فيما يروي عن ربه. والمعنى: أن الله علم الصحابة في كل مرة ما يقولون، فقالوا. فكان دعاءً منهم، استجابَهُ الله فلبّاه لهم وقال: نعم. وتفصيل ذلك في الآتي إن شاء الله:
1: في البداية أعلن الله حقيقة الحقائق، وسرَّ الخلق والعلم والقدرة، فقال: ﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير﴾
ففهم الصحابة ما أنزل الله، وشقّ عليهم أن يحاسبهم بما هَمَّتْ به الأنفس دون العمل. فجثوا على رُكَبِهم عند رسول الله يتوسلون التخفيف. فزجرهم الرسول وأعادهم إلى كامل الاستسلام، فكأن قال لهم: «استسلموا لما لا تستطيعون من ربكم، فما أنا وأنتم إلا عبيده. ولا يُسأل الملك فيما أدَّب عبده».
فأعلنوا تمام الاستسلام والخشوع والرضا، وقالوا: ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾. فأنزلها الله آيةً من كلامه. ولا عجب، فهو الذي ألهمهم أن يقولوها، وقد كتبها من قبل في اللوح المحفوظ من كلامه، كما كتب: ﴿تَبَّتْ يدا أبي لَهَبٍ﴾ قبل أن يخلق العالم وأبا لهب.
2: فَلَمَّا فَعَلُوا ذلكَ، وأبدوا كامل الطاعة فيما لا يستطيعون ـ وكان الله يعلم أنهم سيفعلون فأقدرهم عليه ـ أنزل اللهُ تخفيفه عن أوليائه، فقال: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ فقرأوها وفرحوا بها وجعلوها دعاءهم، فاستجابه الله وقال: نَعَمْ. “لا أؤاخذكم” (عن ابن عباس بإسناد صحيح).
3: ثم أتموا دعاءهم ـ رضي الله عنهم ورضوا عنه ـ كما أَلْهَمهم ربُّهم أن يقولوا، فقالوا: ﴿رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا﴾ فقال ربُّهم عزّ وجلّ: «نَعَمْ، قد استجبت». وجعلها آية، إذ هي آية من قبل أن يطلق بها قلوبهم وألسنتهم.
4: فلما علموا عظيم رحمته، وسرعة استجابتهِ، دعوه بالمزيد من إسباغ النعمة، فقالوا: ﴿رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾ ولولا أن الله كتبها عنده من قبل آيةً، لما ألهمهم أن يقترئوها، لكنه ألقاها في قلوبهم فقرأوها، فأعلنها آيةَ ـ وكانوا لا يعلمون من قبل إنها آية ـ وقال: «نَعَمْ، قد استجبت».
5: ثم أَلْهَمهم مولاهم أن يدعوا فيقولوا: ﴿وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ فقالوا. فكانت دعاءهم، وكانت من الله الاستجابة إذ قال: «نَعَمْ، قد استجبت».
ولقد كان هذا امتحاناً من الله لأصحاب رسوله، في إيمانهم بالغيب. ولقد كان الله يعلم أنهم سيقولون ما قالوا، فأنزله ليقولوه، كما هو الحال في قوله تعالى: ﴿لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ﴾ (المائدة/94)؛ فيتحقق في الواقع الدنيوي ما كتبه الله في اللوح المحفوظ، من وصفهم. وذلك من حب الله لهم.
فصدّقوا وآمنوا واستسلموا لله، فيما يحبون وفيما يكرهون، فيما يطيقون وفيما لا يطيقون. لكنهم خافوا من مغبّة ما تتكلم به سرائرهم في بعض اللحظات، وشعروا بالرعب، أن يسجل الله عليهم ذلك في ميزان الحساب، وأعربوا عن ذلك لرسولهم الحبيب، فأمرهم بطاعة أمر الله دون سؤال، فأطاعوا واستسلموا، فخفف الله عنهم، وأعلَمَهم أنه لن يحاسبهم بما وسوست به نفوسهم من وراء قلوبهم. وقال لهم رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بقول الله: ” إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لي عن أُمَّتي ما وسْوَسَتْ به صُدُورُهَا، ما لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَكَلَّمْ” (متفق عليه. واللفظ للبخاري).
ولقد شاء الله أن يحدث كل هذا بهذه الطريقة، لِيُبَيِّنَ لنا قبساً من رحمته بنا ـ أمّةِ محمد ـ إذ لوّح لنا بما افترضته الشريعةُ القاسية في التوراة على بني إسرائيل، ثم أمدّنا بواسعٍ من نور رحمته، فخفف عنا ما كان على السابقين من الإصر والأغلال. فقد علمنا أن الله كان قد عاقب بني إسرائيل، على عنادهم واختلافهم على أنبيائهم، وتشكك قلوبهم، بأن فرض عليهم شريعة قاسية بقسوة قلوبهم، تبينه هاتان الآيتان:
﴿فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً﴾ (النساء/160). ﴿وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾ (الأنعام/146).
ولقد ظلت هذه التشريعات القاسية مفروضة على بني إسرائيل، رغم التخفيفات المحدودة التي جاء بها عيسى ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين قال لهم: ﴿وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (الأعراف/50) لكنهم أبوا ورفضوا، ورغم ذلك فقد ظل المجال أمامهم واسعاً أن يتوبوا من قسوة قلوبهم، باتباع ما أنزل الله على النبي، الذي سبق وأخبرهم بأنه سيأتيهم بالتخفيف والرحمة والمغفرة، محمد صلى الله عليه وآله وسلم ـ وتقصه هاتان الآيتان: ﴿قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ^ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ﴾ (الأعراف/156 ــ 157).
ولكنهم واصلوا العناد والقسوة، فأقاموا بذلك الدليل تلو الدليل، على أنهم يستحقون شريعة قاسية تطحن إرادتهم طحناً.
وأما تَعَلُّق من يتوسعون في النسخ، أو يلغونه بالكلية، بقول أبي هريرة بنسخ أول الآيات بآخرها، فتَعَلُّقٌ باهت، وحجةٌ داحضة: فهذا ليس سوى نسخ لحكم سابق في القرآن، بحكم لاحق بالقرآن. وقد بَيَّنّا أن النسخ نسخان: نسخ التلاوة وهو ما ننكره، ونسخ الحكم وهو ما نقيده، إذ نقول بأنه لا ينسخ حكمٌ ظنيٌّ حكماً قطعياً. أي أننا لا ننسخ القرآن بالسنة، ولكن بالقرآن. وننسخ السنة بالسنة. كل ذلك وفق الضوابط القاسية التي قررها جهابذة علم أصول الفقه، لا صغارهم من راسبي الثانوية.
والله يقول الحق ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
كل عام وأنتم من الله أقرب.