أ.د. سعد التميمي يرسم رؤية في ملامح دولة المواطنة

أدارها أ.د. حيدر عبد الزهرة | العراق

تعزيز قيم المواطنة واجب الطبقة المثقّفة

استضاف مركز مشورة للدراسات والتنمية أ.د. سعد محمد التميمي، مدير منصة إبداع ضمن مشروع بغداد مدينة الإبداع الأدبي، فقدّم محاضرة حملت عنوان” المواطنة والوطن: رؤية في ملامح دولة المواطنة” أدارها أ.د.حيدر عبد الزهرة، مرحّبا بالحضور، ومعرّفا بالضيف، الذي بدأ محاضرته بتحديد مفهوم المواطنة فقال” المواطنة لغةً مأخوذة من الوطن، وهو مكان إقامة الإنسان سواء أوُلد فيه أم لم يولد، والمواطنة مصدر الفعل (واطن) على وزن فاعل الذي يدل على المشاركة؛ وفي الاصطلاح المواطنة هي العلاقة المتبادلة بين الأفراد من جهة والدولة التي ينتمون إليها ويُقدّمون لها الولاء من جهة أخرى؛ وتترجم هذه العلاقة إلى مجموعة من الحقوق المدنية، والسياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، وتعرف دائرة المعارف البريطانية المواظنة بالعلاقة بين الفرد والدولة التي يُحدّدها قانون الدولة بما تتضمّنه من حقوق وواجبات، أما الموسوعة العربية العالمية فتعرف المواطنة بأنها “اصطلاح يشير إلى الانتماء إلى أمة أو وطن”.

وفي قاموس علم الاجتماع هي مكانة أو علاقة اجتماعية تقوم بين فرد طبيعي ومجتمع سياسي (دولة)، إذ يقدم الطرف الأول الولاء، ويتولى الطرف الثاني الحماية، وتتحدد هذه العلاقة بين الفرد والدولة عن عن طريق الدستور من خلال تشريع القوانين التي تكفل ذلك وبعيدا عن القوانين والتشريعات لا تخلو المواطنة من البعد النفسي فهي تتجسد بمشاعر الانتماء والولاء للوطن ورموزه السياسية الوطنية النزيهة التي ترعى الحاجات الأساسية للمواطن وحمايته من المخاطر الخارجية”
وأشار التميمي” وعلى الرغم من أن مفهوم المواطنة كان معروفا في الحضارات الإنسانية كاليونان والرومان والسومريين والبابليين والآشوريين والفراعنة إلا إنه ارتبط بالتحولات المجتمعية و السياسية المقترنة بولادة الدولة الحديثة، قد خرجت صيغته عن نطاقها التقليدي إلى حق ثابت في الحياة السياسية والاجتماعية بين الدول ورعاياها، وبذلك يكون مفهومه وفروضه على النقيض حتى من الدول الملكية والأرستقراطية، فالمواطنة حصيلة ترسيخ مفهوم الدولة الحديثة وما تقوم عليه من سيادة لحكم القانون والمشاركة السياسية الكاملة في ظل دولة المؤسسات، وبذلك تهيء المواطنة الفرد ليكون أكثر ارتباطاً بالدولة الحديثة، فهي ليست انتسابا شكليا بين المجتمع والدولة بل مجموعة حلقات مترابطة لا يمكن الفصل بينها تبدأ بالفرد الذي يمثل نواة هذه العلاقة ثم المجتمع ثم الدولة بمؤسساتها المختلفة لتشكل وحدة سياسية متكاملة صلبة وقوية لا تؤثر فيها الصدمات القوية يكون قوامها الوطن (المكان) والأمة (شعب) والنظام والسلطة. ومثل هذا الانتماء يفرض حقوقاً ويستلزم واجبات كمنظومة متكاملة لا تعرف الفصل والتفكيك في أنظمتها واستحقاقاتها، انطلاقاً من هذه العضوية المسماة بالمواطنة في ظل الدولة المعاصرة والتي تكتسب بشكل عام في ظل الأنظمة القانونية الحديثة، على أساس الولادة في الدولة والانحدار من أبوين مواطنين والتجنس”.
وحول اشتراطات المواطنة، قال التميمي أستاذ البلاغة والنقد الحديث في الجامعة المستنصرية “أن تتعدّد الثقافات واختلاف العقائد والقيم والمبادئ في المجتمعات، لا يغير ولا يلغي اشتراطات المواطنة على اختلاف البلدان التي يمكن حصرها بالمساواة وتكافؤ الفرص: يجب أن يتساوى أفراد المجتمع في الحقوق والواجبات، وتتاح لهم الفرص على اختلاف عقائدهم الدينية، ومعتقداتهم الفكريّة، وانتماءاتهم السياسيّة، من خلال ضماناتٍ قانونيةٍ وقضاءٍ عادلٍ ونزيه ومستقل يحمي الحقوق من الانتهاك، والمشاركة في الحياة العامة: يجب أن يمنح أفراد المجتمع حق المشاركة في جميع المجالات السياسيّة، والاجتماعيّة، والثقافيّة، والاقتصاديّة، تبدأ من توفير فرص التعليم للأطفال ،والحرية الفكريّة، وتوفير الخدمات العامّة، والمشاركة بالأنشطة الثقافية المختلفة، فضلا عن حرية الانخراط في الأحزاب السّياسيّة، وتولّي المناصب العليا، والمشاركة في صنع القرار.
والولاء للوطن: يجب ان تكون علاقة الفرد بوطنه بالصدارة ولا تتقدمها علاقة اخرى، ولا تقتصر على العاطفة بل تترجم الى الالتزام الكامل بالواجبات تجاه الوطن، والشعور بالمسؤولية لتحقيق المنفعة العامة.
وتتصف المواطنة انهاعلاقة تبادليّة بين الفرد ووطنه، قابلة للتغيُّر والتطور من حين لآخر وهي طوعية واختيارية مؤسّسةً على حبِّ الوطن وشعور الفرد بالانتماء إليه والتضحية من أجله، وتتجلى الفردية في تمتع الفرد بمجموعة من الحقوق المدنية والسياسية بغض النظر عن انتماءاته وإن المواطنة يمكن أن تكتسب وتفقد فالمواطن لا يُولد وإنّما يُصنعفقد بكتسب صفة المواطنة من خلال الحصول على الجنسية كشرط أولي للتمتُّع بجميع الحقوق، وقد تُجرّد الدولة شخصاً من مواطنته لأسباب مختلفة ،وقد يتنازل الشخص من مواطنته طوعاً للحصول على مواطنة دولة أخرى.
وحول آفاق المواطنة الفاعلة قال” للمواطنة الحقيقية دور كبيرٍ في تطور المجتمعات إذ تؤدي إلى خلق الانسجام بين أفراد المجتمع من خلال الثقة بالعدالة التي يضمنها الوطن ممثلا بالدولة أو الحكم الرشيد في حلّ جميع أنواع الخلاف التي تنشأ بين مختلف فئاته، كما انها تحفظ الحقوق والحريّات وتشجع الأفراد على الوفاء بالتزاماتهم وواجباتهم تجاه الدولة، مما يؤهلهم للتصدي و تحمّل المسؤولية عند المشاركة في شؤون الحكم، واحترام الاختلاف والتنوع العرقيّ والعقائديّ والفكريّ بين أفراد المجتمع، على تن تقدم هوية المواطنة على الهويات الفرعية ،من خلال نشر المبادئ الأساسية؛ ، والحرية، والمساواة والعدالة، وهذا ما يشجع المواطنين للقيام بمسؤلياتهم تجاه المجتمع والوطن مما يجعل المواطنة فاعلة وتصبح نواة لبناء دولة المواطنة القوية. بالعودة الى تاريخ الفكر الفلسفي السياسي ندرك التحولات التي لحقت بمفهوم المواطنة، الذي بدأ مع الحقبة اليونانية قبل الميلاد الى العصور الوسطى، ليأخذ شكلا جديدا بعد الثورة الفرنسية، انتهاء بمفهومها المعاصر،اذ عكست التركيبة الثقافية والأخلاقية لكل الحقبة فالمواطن عند اليونان هو (اليوناني الحر) وفي الدولة القومية هو أحد أبناء الأمة المكونة للدولة ،على أنها لم تكن دائما تشير إلى مبادئ وقيم أخلاقية وسياسية عامة، بل كانت تمنح لبعض الافراد ويحرم منها الاخر، وكانت احيانا تعبر عن عدم المساواة، مما خلق دعوة للكفاح من أجل المساواة من قبل المحرومين، ونتج عن ذلك أشكالا مختلفة للمواطنة مثل مواطنة دولة المدينة، ومواطنة الايمان ،ومواطنة المدن المستقلة، والمواطنة التعاقدية ومواطنة الحقوق، والمواطنة العالمية”
واختتم محاضرته بالتأكيد على دور المثقف في رفع مستوى الوعي بالمواطنة، والمشاركة المجتمعية وبناء دولة المواطنة.
أعقبت المحاضرة مداخلات قدّمها: د. محمد عبدالرضا شياع، والشاعر عبدالرزاق الربيعي، والكاتبة دليلة ملكاوي

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى