تحلّ الذكرى وفلسطين تَسْتَغيث والأقصى يَئِن

د. محمد بن قاسم ناصر بوحجام | الجزائر

تحلّ الذّكرى وتمرّ، وتأتي المناسبة وترحل، وفلسطين تشتغيث والأقصى يئنّ، والفلسطنيّون يقومون وحدهم بمقاومة الغطرسة الصّهيونيّة، والمطبّعون يهرولون لِـمُؤَازرتهم في هذا العدوان، والمتخاذلون يتنافسون في لشّماتة بالمقاومين، الذين يصمدون في المضمار، ويلحقون بالعدوّ الأضرار تلو الأضرار؛ لأنّ الله معهم ناصرُهم في حقّهم على باطل كلّ المعتدين الأقربين والأبعدين، وهازمٌ الأوباش والأوغاد؛ لأنّهم جبناء وأذلاّء..
ألا تحرّك مجازر الصّهاينة قلوب ذوي القربى لنصرة المقهورين؟؟ ألا تهزّ فظائع حثالة اليهود مشاعر أبناء العمّ للقيام بمناهضة العدوان؟؟ ألا تقضّ مضاجع أصحاب الذّمم من ذوي الأرحام جرائم المفسدين في الأرض سفّاكي الدّماء.. لينفروا خفافا وثقالا لإنقاذ إخوانهم الفلسطينيّين (اعترفوا أو لم بعترفوا بأخوّتهم) من براثن القهر والتّنكيل؟؟ ألا ينهضون باسم الدّين والعرق والإنسانيّة ليقوموا بواجبهم لمحاربة الظّالم، ونصرة المقهور؟ أم ران على قلوبهم الصّغار والذّل والخيانة والخذلان.. فأصبحوا أجساما بلا أرواح، وهياكل بلا مضمون، ووجود بلاجدوى؟!!
عليهم أن يدركوا أنّهم – بهذه الصّفات – كالأنعام، بل هم أضلّ سبيلا؛ فالأنعام تغار على أجناسها وأفرادها وتدافع عنها وتدفع عنها الأضرار وكلّ اعتداء، أمّا هم فقد فقدوا الغيرة والمروءة والشّهامة، فقدوا الإحساس بالإنسانيّة، والشّعور بمسؤولية نصرة من يمتّ إليهم بصلة ورحم.. كما عليهم أن يعُوا جيّدا أنّ مواقفهم المخزية تعود عليهم بالوبال والثّبور والهلاك، ممّن؟ من الذين ارتموا بين أحضانهمصاغرين، على حساب ذوي قرباهم.


ألا يفهم هؤلاء المتخاذلون أنّ نصر الله آت لا محالة، وهو وعدُه للمجاهدين المؤمنين الصّادقين؟؟ ألا يفقه هؤلاء الـمُطبِّعون أنّهم مأكولون يوم أكل الثّور الأبيض؟؟ ألا يدري هؤلاء الصّهاينة المعتدون أنّ نهايتهم قريبة بنصر من الله مبين لأصحاب الحقّ المبين؟؟ فما يقدّمه أبناءفلسطين البواسل الشّجعان من أعمال بطوليّة دليل على أنّ نهاية الكيان المتغطرس قريبة بإذن الله تعالى.. وما يحدث داخل مجتمع الكيان الصّهيوني المزيّف من زعازع وقلاقل واضطرابات، وما يسكن قلوب المرجفين في الأرض السّفهاء.. من خوف وهلع وفزهع.. آياتٌ بيّناتٌ على سقوط وشيك لهذا المجتمع الهجين..
المطلوب من كلّ مسلم غيور على دينه، متمسّك بحقّه في أرض الأنبياء والمرسلين ومسرى النّبيّ محمد عليه الصّلاة والسّلام، المؤمن بالقضيّة الفلسطينيّة: أنّها هي محور حياة المسلمين ومرتكز وجودهم.. المطلوب منه إبقاء القضيّة الفلسطينيّة حيّة في قلبه وفي قلوب الأجيال المتلاحقة، مع معاهدة الله أن يكون وفيّا لها مدافعا عنها مهما تكن الظّروف، ومهما تطرأ من مستجدّات.
لنتذكّر جميعا وليستقرّ في عقولنا وقلوبنا ما سجّله المفكّر الجزائري الكبير الشّيخ محمد البشير الإبراهيمي (ت1965م) عن حقيقة فلسطين، لنعرف واجبنا في الدّفاع عنها بقوّة وحماسة وبسالة. قال: ” إنّ فلسطين أرضٌ عربيّة لأنّها قطعة من جزيرة العرب، وموطن عريق لسلائل من العرب، استقرّ بها العرب أكثر ممّا استقرّ اليهود، وتمكّن فيها الإسلام أكثر ممّا تمكّنت اليهودية، وغلب عليها القرآن أكثر ممّا غلبت التّوراة، وسادت فيها العربيّة أكثر ممّا سادت العبريّة.” (عيون البصائر، ص: 485، 486).
هذا الإقرار وهذا التّذكير يدفعان إلى أخذ العهد والميثاق على العمل لاسترجاع الأرض المغصوبة، وتمكينها لأصحابها، كما قال الكاتب نفسه في الفقرة الآتية: ” كاتب هذه السّطور عربييعتزّ بعروبته إلى حدّ الغلوّ، ويعتدّ بها إلى حدّ التّعصّب، ويفخر بأُبُوَّةِ العرب إلى حدّ الانتخاء… وإذا حشر نفسه في العصبة الذّائدة عن فلسطين، وأشركها في العصبة الغالبة لفلسطين، فليس بمدفوع عن ذلك؛ لأنّه عربي أوّلا، ومسلم ثانيًا، وفلسطيني بحكم العروبة والإسلام ثالثا.” ( عيون البصائر، ص: 505).
نحن إذ نقرأ هذه الشّهادات والإقرارات، علينا تقدير مشاعر أسلافنا، والوفاء لتلك العهود؛ بتحمّل مسؤوليتنا الدّينيّة والأخلاقيّة نحو القضيّة الفلسطينيّة؛ مردّدين مع مفدي زكريّاء شاعر الثّورة الجزائريّة، وهو – بدوره -يعاهد فلسطين ويعدها بالنّصرة، وَوَطَنُهُ الجزائر يخوض حربًا شرسة ضارية مع الاستعمار الفرنسي الغاشم؛ ضاربة فرنسا في الأعماق، فكان النّصر عليها مؤزّرًا.. نردّد مشاعره ونتّخذ منها عهدا على الجهاد لتحرير فلسطين بما نقدر عليه، فنسكت استغاثتها ونقضي على أنينها بإذن الله تعالى .. نظم شاعر الثّورة الجزائريّة(سنة 1961م) قصيدة طويلة، عنوانها: ” فلسطين على الصّليب ” (اللّهب المقدّس، ص: 336 – 349). منها هذه الأبيات:

فلسطين في صلبنا لحمةٌ جراحاتُها في الحشى ثاويَهْ
عُروبتُنا في ضمير البقا وشائجُ راسخةٌ، راسِيَهْ
فلسطينُ.. في أرضِنا بَعْثُها ومن أرضنا تزحَفالـحامِيَهْ
ومن أرضنا نقطةُ الانطلاقِ وثورتُنا حـجــرُ الزّاوِيَــهْ
ولَنْ يُـخْلِفَ اللهُ ميعادَهُ ولا رَيْبَ سَاعَتُنا آتِيَـــــــهْ

ليتذكّر كلّ واحد منّا أنّ فلسطين تستغيث والأقصى يئنّ، والفلسطينيّين يستنجدون.. عاشت القضيّة الفلسطينيّة وخسئ الأعداء وخاب سعي المطبّعين والمنبطحين.. سُحْقًا للمتآمرين وسُقْيًا للمجاهدين..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى