ثلاثي القمع
أليسار عمران | سوريا
حينَ كنتُ طفلةً ويخطئ أبي بتقديرِ الحكمِ كنتُ أصمتُ،وألتزمُ غرفتي صامتةً معلنةً إضرابي عن الكلامِ فيسألُ أخوتي وأمّي عني أين هي (زاهيّةْ العلي يونس)؟!
كان يقصدُ بالتّسميةِ أنّني ابنتهُ المجنونةُ المضربةُ عن الجموعِ !
لم أكنْ أكترثُ لحكمهِ كنتُ أنتظرُ أن يدقَّ بابَ غرفتي ويسألني لنبدأ حواراً هادئاً عقلانيّاً يحدّثني بوجهة نظره وأجيبهُ بكلّ هدوءٍ كان الحوارّ ينتهي باعتذارِ أبي مني لأنّه يحترمُ سدادَ رأيي!
كُنّأ نعودُ من مدارسنا لنخبره عن الحياة كيف تتطوّرُ في الخارجِ وكان يتماشى مع مانريدُ أن نصلهُ من أفكارٍ إيجابيةٍ!
وكان قد عيّنني قاضياً للحكم بينه وبين أمي في أوقات الخلاف ودائماً كنتُ في صفِّ أمي ولوكان الحقُّ معه مبرّرةً عدالتي بأنها تفقدُ كلّ نقاطها أثناء الحوار ولكنّها الملكة والملكُ هو صاحبُ الحقِّ حتّى وإن غضب الرعيّة.
وكان يسعدُ لأني أنصرها عليه ويضحكُ برضى فهو يحبّها كثيراً.
أبي لم يخبرني عن الطّوائفِ،لم يخبرني عن العشائر!
أبي كان يعزفُ على العود ويجمعنا تحتَ خيمةِ اللحنِ والعزفِ والغناءِ!
كانَ يتشوّقُ للحظةٍ أخبرهُ فيها أنّني عاشقةٌ لشابٍّ ما وكنت أسخرُ دائماً أمامهُ من العاشقينَ وتفاهاتهم ونضحكُ!
أبي لا يصومُ ولا يصلّي لكنّه كان بارّ الوالدينِ وحسنُ الوصلِ مع أخوتهِ وصديقي الذي لايملّ من الحوار معي!
كانَ يقولُ ابنتي أكثر الأصدقاءِ لديها شباباً، وكأنّني أنجبتُ فيها رجلاً قائداً يدركُ قدر نفسهِ وحجمهِ!
أبي أعطاني حريّتي التي أستحقّها لم يراقبتي ولم يعطني مواعظاً وحكماً شفهيةً ولم يجعلني أخشى من النّار! ولم يسمح لنفسهِ بأن يستجوبني يوماً!
أخبرني أبي أنّ الله يسكننا وهو قريبٌ حين نكون صادقين مع أنفسنا، وحين لانبصقُ على وجوهنا في المرآة.
أبي علّمني أن اللهَ محبة وشعور وإنسانيّة
أمّأ ثلاثي القمع فقد مرّ بين السّطور ولكنّني لم أتعرّفْ عليه إلا بعد أن اختلطتُ بالعالم الكبير