ثقافات مغلوطة تحتاج إلى إعادة قراءة
د. أمل سلمان | أكاديمية عراقية
نحن جيل تربينا على مقولات جاهزة مقولبة، وأنماط حياتية صارمة، ورثناها عن أبائنا وأجدادنا وعلمونا إياها في مدارسنا، لا يُعرف قائلها تحديدا، وقيلت في مناسبات مختلفة، لا تقبل الجدال ولا النقاشوكأنّها من المُقدس، فتعاملنا معها على أنّها أبجديات ثابتة وقوانين خالدة، بنينا عليها نظراتنا المستقبلية، وحكمنا من خلالها على كثير ممن حولنا ظلما وعدوانا، وهي كثيرة لو أردنا تتبعها في الثقافة العربية، ويمكن أن تشكل مادة بحثية غنية في السوسيولوجيا الثقافية، التي تُعد من أهم فروع علم الاجتماع والتي تعمل من خلال قراءات متعددة للعادات والتقاليد والمزيج الثقافي في كلّ بلد ، ومن هذه المقولات أقرأ لكم.
أوّلا: مقولة “فاقِد الشيء لا يُعطيه”، وأنا أقول: نعم يُعطيه ويُكرم فيه ويسعى جاهدا لإيصاله؛ لأنّه ذاق مرارة فقده ،فمن فقد المحبّة والحنان مثلا تجده أقدر النّاس على منحهما ومن فقد نعمة التعليم يكون أكثر الناس حثا لمن حوله على تحصيله ، في هذا الصّدد يروي، علي عزت بيغوفيتش صاحب كتاب ” هروبي إلى الحرية ” إنّه في الوقت الذي اهتزت به مدينة نابولي الإيطالية من الضّحك بسبب عروض الممثل الكوميدي ” كارلينا “، جاء رجل إلى طبيب مشهور في المدينة ، يشكو إليه إكتئابا شديدا، اعتقد الطبيب في البداية أن المرض عضوي، فباشر بإجراء التّحاليل المختبرية والفحوصات، التي كشفت أن المريض بأحسن حال، وأقتنع الطبيب أن المشكلة نفسية، فاخبر مريضه إنّه معافى جسديا، ونصحه أن يبحث عن المرح والتّسلية ويشاهد العروض المسرحية لكارلينا، وهنا نظر المريض في عيني الطبيب وقال له: يا سيدي الطبيب أنا كارلينا!!.
ثانيا _ مقولة ” الطُّيور على أشكالها تقع ” هذه المقولة لو سلّمنا مجازا بصحتها في عالم الطّيور، فهي بطبيعتها تهبط وتقع وتنزل وتغرد وتصفر لمثيلاتها وبنات جنسها، فلا تغرد العصافير مثلا مع النسور، فليس بالضرورة أنّها تنطبق على بني الإنسان؛ لأننا كلنا بشر في النهاية وإن اختلفت أفكارنا ورؤانا وقد أوقعتنا الحياة على غير أشكالنا وأجبرتنا على كثير منالأمور التي لا تشبهنا أبدا.
ثالثا _” اليد الواحدة لا تصفق ” نعم لا تصفق،لكنّها لا تموت وحدها ما زالت تؤمن بكيانها، فهي تصفع من لا يستحقالتّصفيق علّه يستفيق ، وتكتب وتزرع وتحرث وتأكل .
رابعا _ ” الضّحك بلا سبب من قلّة الأدب ” وهنا يجب ان نفرق بين الضّحك والتبسم، فالرسول ص يقول : “تبسمك في وجه أخيك صدقة “، وشعور الفرح والسعادة شعور جميل لا يأتي بلا سبب مثله مثل الحزن لابّد من وجود مسبب له ، طيب لماذا أخفي أبتسامة رسمت على وجنتي وأنا اتذكر موقفا جميلا مثلا ؟! أين قلّة الأدب في ذلك ؟ صحيح الضّحك بصوت عال حينما يصدر بمواقف عزاء مثلا أو زيارة مريض أو الضّحك على إنسان يعاني من عاهة خُلقية يكون قلّة أدب ، وهنا مسألة اخرى …
خامسا _ ” من شب على شيء شاب عليه ” مقولة قيدت أجيالا وتأثروا بها في حياتهم، فنشأوا على ضعف الهمة، ومحدودية التفكير، وتوقع الأسوء من الحياة، فهم ينظرون بعين واحدة، فالشمس في نظرهم حارقة، والورود جارحة ، معتقدات غير صحيحة شبوا عليها لا يحاولون تغييرها مؤمنين بتلك المقولة المدمرة ، فتراهم لا يمنحون أنفسهم فرصة التغيير نحو الأفضل حتى ولو دخل الطيبون عالمهم فهم لا يتأثرون ولا يتعلمون ، ولا يعون أن الخير ليس بالضرورة أن يكون في أوّل العمر، لكنّك إذا انتبهت ووعيت ونضجت وتعلمت والتفت لنفسك لوجدت الخير أمامك .
وهناك عدد كبير جدا من تلك المقولات الجاهزة بحاجة إلى وضعها تحت المجهر لتبين مدى صلاحيتها لزماننا ولإجراء قراءات حداثوية عليها ، فهذا المقال دعوة إلى تجديد المفاهيم التي لم تورثنا سوى السلبيات ومنها مثلا ، الأقارب عقارب ، وإن غاب القط إلعب يا فأر، والديك الفصيح من البيضة يصيح، وأكل ما يعجبك وألبس ما يعجب الناس، ومن شابه أباه فما ظلم، وكل فتاة بأبيها معجبة ،والمبلل ما يخاف من المطر، واعور في بلاد العميان ملك،وإذا ما طاعك الزمن طيعهوووو الكثير الكثير .ولا تقولوا: إن الأمثال تُضرب ولا تقاس، فهذه مغالطة كبيرة أيضا، فالأمثال والحكم ضربناها وقسنا عليها في ماضينا وحاضرنا.