الانتصار للحياة يمر أحياناً من المقابر

د. إيهاب بسيسو | فلسطين

الختيار ورعاية مقابر غزة … قبيل استشهاده بأشهر معدودة شكل أبو عمار لجنة تطوعية لرعاية المقابر في المحافظات الجنوبية برئاسة د. حيدر عبد الشافي وعضوية نخبة من رجالات غزة في ذلك الوقت، منهم من رحل إلى الأبدية ومنهم من يواصل الحياة من أجل مزيد من العمل الوطني الفلسطيني.
قد يبدو تشكيل لجنة لرعاية المقابر مبادرة تتخطى الزمن والحاضر خصوصاً في ظل احتدام فصول الانتفاضة الثانية.
أبو عمار المحاصر في رام الله يفكر في رعاية القبور في المحافظات الجنوبية، ويوكل المهمة للجنة متطوعة تبحث عن آفاق لتنفيذ المهمة بالتعاون مع المحافظين ورؤساء البلديات حسب نص المرسوم الرئاسي.
مبادرة وطنية تستمد طاقتها من روح وثراء العمل الوطني والأهلي لتعزز من مفهوم الانتماء والاهتمام بأدق التفاصيل الممكنة ولخلق فضاءات مُلهمة لعمل لا يتوقف في مختلف المجالات والميادين …
فرغم كل التحديات التي كانت تحيط بواقع الانتفاضة من اعتقالات واجتياحات وقصف وهدم واغتيالات وحصار إلا أن الروح الفلسطينية كانت تواجه أشكال الإعدام الممنهج بإصرار ملفت على الحياة.
أقول هذا وأنا أدقق مرة أخرى في تاريخ إصدار المرسوم ١٥ كانون ثان ٢٠٠٤ وفي فضاء الذكرى الثالثة عشرة لاستشهاد القادة أبو إياد وأبو الهول وأبو محمد العمري.
الذين تم اغتيالهم يوم ١٤ كانون ثان ١٩٩١ في تونس.
للتواريخ دلالات رمزية يمكن قراءتها في السياق كما هي دلالة الأسماء والفعل الوطني والجغرافيا والأمكنة.
وحين تندفع الذاكرة في الحاضر محملة بكل تلك التفاصيل.
يصبح من الطبيعي والضروري أيضاً إعادة بناء المشهد ثانية كنص حياة مستمر رغم كل أشكال الموت.
“رعاية المقابر” اندفاع ملحمي يحمل في ثناياه بلاغة الملاحم الأسطورية القديمة.
ففي الوقت الذي يواصل فيه الاحتلال الانقضاض بكل وحشية على مختلف أشكال الحياة الفلسطينية.
تندفع الملحمة نحو فصل جديد لحماية المقابر في غزة ومعها صون الذاكرة والتراث وبقايا الجثامين المندمجة في التراب كإحدى خلاصات تعريف الهوية.
هنا يتجسد معنى إضافي ببعد رمزي للانتماء والمواطنة أي تلك العلاقة الديناميكية الفاعلة بين الفرد والمجتمع، العلاقة التي تثريها الشراكة والثقة والعدالة كإحدى أدوات الصمود والمقاومة 
لأرواح شهداء فلسطين ومن رحلوا خلال مسيرة الحرية الخلود في الذاكرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى