شيخ الأزهر يضع أساسا متينا للعيش المشترك في مصر والعالم العربي
زياد شليوط | ( شفاعمرو – الجليل )
أطلق الشيخ أحمد الطيب، شيخ الأزهر تصريحات قوية وواضحة وهامة، بين عيد الميلاد المجيد ورأس السنة الميلادية الجديدة، ردا على الأصوات والفتاوى العديدة التي صدرت عن شيوخ، تُحرم تهنئة المسيحيين بأعيادهم، وتنهى عن أكل طعامهم، ومواساتهم فى الشدائد، ومشاركتهم فى أوقات الفرحة، وقال فضيلة الإمام الأكبر، في هذا الصدد، مؤكدا “إن هذا فكر متشدد لا يمت للإسلام بصلة”.
ونوه فضيلته إلى أمر يكاد يكون بديهيا بقوله “إن الإسلام لا ينظر لغير المسلمين من المسيحيين واليهود إلا من منظور المودة والأخوة الإنسانية”، لكن شيوخ الفتنة الحاملين للأفكار “الداعشية” الظلامية، والمنطلقة من منطلق التعصب الأعمى، لا يعترفون بهذه البديهية “ويريدون إيجاد إسلام جديد، يقوم على التطرف والانغلاق.هؤلاء كانوا غير مؤهلين، وفاقدين لثقافة الإسلام فى هذا الجانب، وغير مطلعين على هذه الأمور، وكانوا يسعون إلى نشر مذاهب يريدون من خلالها تحويل المسلمين إلى ما يمكن أن نسميه شكليات فارغة من جوهر الإسلام الحقيقي”، كما أوضح شيخ الأزهر بشكل واضح وصريح ولا يقبل أي تأويل ولا يحمل أي لبس.
إن ما يدعو إليه المتعصبون ممن يدعون المشيخة، لا يقتصر خطرهم على غير المسلمين، إنما خطرهم الأساس يأتي تجاه الإسلام نفسه. فهم الذين ساهموا بتغيير وجهة نظر الغرب عن الإسلام، وأظهروه على شاكلتهم من تعصب وكراهية ورفض للآخر ومعاداة لكل من هو غير مسلم، ومن ثم تحليل القتل والاجرام والإرهاب وكل ذلك باسم الدين وهم يرفعون الآيات القرانية، يذبحون ويقتلون دون وازع من رحمة أو إنسانية، بشكل وحشي مقزز لا يعرف حدودا للأخلاق والقوانين والعلاقات الإنسانية.
من هنا فان صوت شيح الأزهر، أعلى هيئة إسلامية في مصر والعالم العربي، وما يتمتع به من مكانة عالية، تلفت الانتباه بجرأتها في هذا الوقت، ولا بد من تحية الشيخ أحمد الطيب على شجاعته في وجه من يحرفون الإسلام ويسيئون له باسمه. ولا شك أن هذه التصريحات والمواقف من قبل فضيلته لم تأت من فراغ، فهو مصري ويعرف أهل مصر الأقباط (المسيحيين)، ويعرف أنهم أبناء البلاد الأصليون لذا رفض اعتبارهم “أهل ذمة” مؤكدا على أنهم “مواطنون” مثل إخوانهم المسلمين. كذلك تأتي هذه المواقف بعد أكثر من لقاء لفضيلته مع قداسة البابا فرنسيس، رأس الكنيسة الكاثوليكية في العالم، وجلسات الحوار معه في الفاتيكان ومصر والإمارات العربية، وتأكده بأن الدين المسيحي ورؤساء الكنيسة لا يحملون إلا المحبة والمودة تجاه الآخر، فكم بالحري عندما يكون هذا الآخر أخا في الدين (يعبدون الها واحدا)، وأخا في الوطن (أبناء وطن واحد وحضارة واحدة في الشرق، وأخافي الإنسانيةمن أب وأم مشتركين (آدم وحواء).
ولفتت انتباهي عبارة هامة في تصريحات الشيخ أحمد الطيب، أكدت ما كنا نشير إليه في مقالاتنا وحديثنا عن القومية العربية في عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، حيث قال فضيلته عن تلك الأفكار المتعصبة والمتشددة والغريبة”هو فكر لم تعرفه مصر قبل سبعينيات القرن الماضي؛ فمنذ السبعينيات حدثت اختراقات للمجتمع المصرى مسّت المسلمين والمسيحيين”. ونحن نعرف أن عبد الناصر رحل عن عالمنا عام 1970، والاشارة هنا واضحة لا لبس فيها من شيخ الأزهر، وهي حقيقة تاريخية بأنه قبل سبعينيات القرن الماضي أي في الستينات والخمسينات، التي شهدت يقظة القومية العربية والأفكار الوحدوية والتقدمية التي حمل لواءها عبد الناصر، وعممها على أنحاء الوطن العربي، لم يكن فيها تعصب ديني أو اعتداءات طائفية، كما حدث بعد رحيله، حيث وقعت “الاختراقات للمجتمع المصري”، بتشجيع من سيء الصيت أنور السادات الذي أدخل “الانفتاح” لمصر بكل سلبياتها وموبقاتها الاجتماعية والسياسية وليس الاقتصادية فحسب.
يجدر بالسلطات المصرية حكومة وبرلمانا وعلى رأسها رئيس الدولة، عبد الفتاح السيسي، إذا كانوا صادقين في محاربة الإرهاب والفتنة الطائفية أن يتخذوا من تصريحات شيخ الأزهر، دليلا وراية وأساسا لعيش مشترك حقيقي في مصر يقوم على الغاء بعض المصطلحات السلبية ومنها “الأقليات” واعتماد مصطلح “المواطنة” كأساس للتعامل بين الناس وبين الدولة والمواطنين جميعا، كي تعود مصر إلى صدارة العالم العربي، بفكر قومي، تقدمي، متنور كما كان في عهد عبد الناصر.