حكايا من القرايا.. ” أنا أخوك يا شمّة “
عمر عبد الرحمن نمر | فلسطين
كنا تلاميذ مدرسة في صفوفنا الأساسية الأولى… وكان يحلو لنا أن نحضر سوق الدواب – أجلكم الله – ويسمّونه سوق الحلال، وكان موعده كل يوم ثلاثاء أسبوعياً في سيلة الظهر… نذهب في الصباح مبكرين لنحضر، ونشاهد ما شاء الله لنا قبل دقّ جرس الحصة الأولى. وكم كنا نستمتع بمشاهدة حمار دقّ رأسه في الأرض وحرن، أو بغل شموص… يريد صاحبه بيعه والتخلص منه… والتلاميذ يومئذ كانوا يوظفون في تجريب هذه الحيوانات… وركوبها لمعرفة سيرها الذاتية… هل تطاوع صاحبها؟ وقياس درجة أدبها؟ وقابليتها للعمل؟
وفي صباح يوم ثلاثاء حزين، كان أحد التجار يساوم آخر لتحريك معاملة بيع حمار… نادانا البائع لركوبه أمام الشاري لتقييم مشيته، وقوته، وأدبه… وقابليته للمطاوعة في العمل… همّ أحدنا بركوبه، وهو سعيد باقتناص فرصة الركوب… فصاح الشاري بنا وطردنا، وغضب غضبة مضرية، وتملكته العنتريّة، وصاح: أنا أخوك يا شمّة! أنا لها… أنا خيّال المنايا… أيعجزني ركوب حمار…؟
وقفز في ظهر الحمار، توقف الحمار برهة – وكأنه يفكر – بمصير الرجل، فزجره الخيّال… ثبّت الحمار ثقله على قائمتيه الأماميتين، ورفع رجله اليسرى، وقفز في الفضاء، ثبت الخّيال، وفي القفزة الثانية تخلخل مكانه، وفي الثالثة كان مرميّاً تحت الحمار… والحمار يرفش في بطنه، وكما يقول المثل ” لاحني ولحتو ومن كثر عزمي جيت تحتو ” وتحول القفز إلى ركل… متوالٍ… وكأن الحمار يقتص من الرجل. ولم تنفع شمّة، ولا أخوال شمّة، ولا أعمامها… هجم من في السوق جميعاً… لكن الذي صار… صار… والحمار حمار… أكل التبن والشعير… ولم يعد يفرّق بركله… بين غني وفقير…