هاملت الفلسطيني بلا خيارات
عدنان الصباح
يصحو هاملت الفلسطيني كل يوم على خبر جديد يختلف عن خبر اليوم السابق من حيث الحدة والرتم والتأثير وفي العادة ومنذ سنين لم يصحو هاملت الفلسطيني على خبر مفرح منذ تزوجت امه من عمه وادرك ان العم قد يكون قاتل والده ومصيبة هاملت الفلسطيني دون غيره انه اعتاد رفع شعار ” الي بوخد امي هو عمي ” ولكنه لم يكن يعتقد ان تكون الام قد تامرت مع العم للتخلص من الاب معتمدين على حكاية الولد المؤمن بمثله الابشع ” الي بوخد امي هم عمي ” وهي الحماية التي بات احتمالها كارثي بالنسبة لهاملت الفلسطيني فهاملت شكسبير لم يحتمل ذلك فهو لا يعرف نموذجه العربي والفلسطيني الذي اعتاد ترديد مثله المؤمن به وهو ان لا فرق بين الاب والعم ما دامت الام موجودة ولذا عاش هاملت شكسبير دور المجنون لينتقم في حين تاه هاملت الفلسطيني بين حكاية المثل الشعبي المغرق في الاستسلام وبين مأساة واقع الحال التي لم تعد قابلة للاحتمال.
ان يصحو هاملت الفلسطيني في الصباح على مقتل الطفل الغزي على يد السرطان والنظام الصحي والاخلاقي البائس وعلى مقتل كهل على يد الاحتلال وغياب الحماية الوطنية الفلسطينية وعلى مقتل شاب اخر بظروف غامضة وانتحار اخر دون معرفة الاسباب وطعن صبية لأسباب تتعلق بالشرف أو بغيره وتحرش سفاحي لم يعد سرا وسرقة هنا واطلاق نار هناك واعتداء على مواطن بالضرب العلني وعلى رؤوس الاشهاد كل صباح ومساء, ومثل هذه الاخبار تدفع بهاملت الفلسطيني الى تكسير اجهزة المذياع ومحاولة التخلص من الصحف وتطليق مواقع التواصل لكي لا يسمع خبرا مزعجا او سيئا فينعزل عن كرة الارض ليلتصق بكرة النار المصنوعة بيد الاحتلال.
الغزي الذي مات منتظرا على بوابات المستشفى حتى يتم الدفع جرجرنا معه جميعا الى القبر وبصق في وجوهنا ونحن ننام ليلنا صامتين ورفع نعله مطوحا به في الهواء ليلطمنا جميعا فادرنا وجوهنا بعيدا خشية الحذاء الغزي لا شعورا بالعار فالحي فينا ميت والا لما كان احتمل ما يدور من حوله في كل لحظه ولا كان احتمل جوع ابو هواش ورفاقه حتى وهو يغادر الموت المحتم الى الكورونا ولا احتمل ذبح الكهل في رام الله علنا حتى ان امريكا التي يحمل جنسيتها تكلمت دفاعا عن جواز سفرها.
هاملت الفلسطيني استبق شجاعة امرؤ القيس لكي لا يتنازل عن الخمر من اجل الامر فتنازل عن امره لأجل خمره وهاملت الفلسطيني لم يفعل ما فعله المتنبي المنتمي لما يقول فهاملتنا يقول ما لا يفعل وهم اصم الاذنين عن كل من يذكره بما سبق وقال فالمتنبي احرجه خادمه حين اراد الفرار من مواجهة الاعداء فذكره الخادم بقوله ألست القائل ” الخيل والليل والبيداء تعرفني… والسيف والرمح والقرطاس والقلم؟ ” فرد عليه قائلا ” بلى لقد قتلتني ” وعاد وقاتل حتى مات دون رايه وقوله
هاملت الفلسطيني يتحدث عن الوحدة ويصنع الانقسام … وهاملت الفلسطيني لم يعد يرى بالاحتلال عدوا بالفعل وان ابقى عليه كذلك بالقول وجعل من قاتل الاب محض آخر كأخر الراي وآخر الجهة وآخر اللون وآخر الاتجاه ليس أكثر وهاملت الفلسطيني بات يقترض من الاعداء بعد ان طلق بالثلاثة كل علاقة له بغيرهم وباتت قدرته على القضاء على البطالة مرتبطة بقدرة العدو على فتح ابواب مشاريعه لعمالنا ولم يستطع مقاطعة من طبعوا مع الاعداء لأنه ادرك انه سبق وفعل ذلك قبلهم وقبل بزوج الام عما فلماذا لا يقبل ذلك لغيره وخاصة ان العم واحد.
هاملت الفلسطيني استحضر كل جاهليته وتمنى على الله ان تموت امه لتنتهي كل مشاكله فموت الام يعني بالنسبة له عدم وجود قاتل للاب وبالتالي سيرتاح من الثأر وتبعاته وموت الأم يعني ان الاب سيتزوج من امرأة غريبة لا تعنيه وقد تكون فرصة له ولإخوته لمشاركة والدهم بها وحل مشكلة العزوبية لديهم لكن رياح الله سبحانه لا تجري وفق الاهواء السيئة والخبيثة لمن لا حول لهم ولا قوة بإرادتهم فمات والده وتزوجت والدته من رجل قوي لها ولأبنائها.
يبدو اننا بحاجة الى جنون هاملت شكسبير كحاجتنا الى تلك الثورة التي وأدناها وتخلينا عنها فد كانت هي اداتنا الحقيقية لتحقيق النصر والحرية ومنذ ان واصلنا اغتيالنا لهذا الجنون الضروري بترك عمان تغادرنا بما فعلنا بها وكذا بيروت وحتى تونس وغيرها الى ان وجدنا انفسنا في غزة ذات غفلة من انفسنا وفعلنا بها ما فعلناه بعمان وبيروت فهل سنحمي سيفنا الاخير ام ان سم كلوديوس سيسبق سيفنا المفقود من غمده منذ أضعناه عامدين.