ضرورة الاعتصام بالسُّنَّة

محمد أسامة | الولايات المتحدة الأمريكية

 إنَّ الاعتصام بالسُّنة النبوية هو حياة كل مسلم، وسبيل كل مؤمن، والهدف الذي يجب أن يسعى إليه من أطاع دينه، وسعى إلى آخرته، وتمنَّى لنفسه النجاح والتوفيق في دنياه. وإذا كان لكل منهجٍ أسسٌ يعتمد عليها، وأهدافٌ يسعى إليها، فإن الحياة كذلك لا تستقيم إلا بثوابت وأصول، وقيم ومبادئ، إذ أن اعتصام المرء بسنَّةِ نبيه الكريم ﷺ وتتبع خطاه، والسير على هداه، هو سبيله الوحيد الذي يحميه من عبث الحياة بالإنسان، وتقيه شرَّ وساوس الشيطان، فتنحل عقده، وينصرف عنه همُّه، وينجو من ضلالته وغيِّه، وليس هناك ما هو أعظم من اقتفاء أثر النبي الكريم حتى نميزَ الحق من الباطل، والطيِّبَ من الخبيث، والثمين من الرديء، فذاك هو السبيل الوحيد حتى نعرف إذا ما نصنعه في حياتنا  كان صحيحًا أم خاطئا، خيرًا أم شرًّا، وندرك ما يرضى الله تعالى مما يغضبه، فننجو من ذنب نقترفه بغير علم فيوصلنا إلى عذاب أليم، أو خطيئة قد نجهل حرمتها تصيب صاحبها بجزاء عظيم. فإذا اعتصمنا بالسنة النبوية صلحت أعمالنا، وصحَّت عقيدتنا، وسلمت نوايانا، واستقامت طرائقنا، وقل خطأنا، فاحتنبنا بصلاح النية والعمل ما نجتنب من كبائر الذنوب مما قد تضُرُّ بوائقها، أو يعظمُ أثرها.

 وفي عصرنا الحالي الذي امتلأ بالملاحدة واللاديننين، ومن ضل طريقه من أذناب العلمانيين، نجد فئاتٍ عديدة تطالب المجتمع بالتخلي عن عقيدته، ومفارقة ثوابت دينه، وترك أصول سنته، والسير خلف الحداثة باسم الحرية، وفي تلك الدعوات الهدامه ضلالٌ كبير، وشرٌّ مستطير، إذ أنه لا حياة لمجتمع تخلى عن مبادئ دينه، وانسلخ من أعماق تراثه، وأهمل سنَّة النبي الكريم ﷺ، فهي قد بُنيت كلُّها على ضلالة خادعة، وأوهام خاوية، وزعم من زعم أن سنَّة النبي ﷺ لم تعد تصلح مع زماننا، ولا تواكب حداثة عصرنا، وهو افتراءٌ أمرَّ من الكفر، وجرمٌ أشدُّ ضررًا من السحر، فسنة النبي صالحة في كل مكان، ماضية في أي زمان، وهي السبيل الوحيد للحفاظ على القيم الأخلاقية والاجتماعية، وهي لا تنقضي في زمنٍ مُعين، ولا تنتهي في وقت محدد، وإنما كانت حقيقة دعوة هؤلاء للتخلي عن السنة أنها تعارض أفكارهم الشاذة، وتهدم ثوابتهم المنحرفة، وتقف حائلًا دون تحقيق أهدافهم، أو تلبية بعض مطامعهم، كالعبث في أحكام المواريث، والسماح بانتشار الرذيلة، ودفاعهم عن الاختلاط والتبرج والانحراف والشذوذ، وتأييدهم لبعض المظاهر المخلة بالأدب والأخلاق، مما يخالف الدين القويم، ولا يتفق مع الشرع الحنيف، وأمعنوا في الاستخفاف بأحكام الحدود والعبادات، فدعوا إلى ترك محاربة تلك الرذائل بذريعة الحرية الشخصية، ويبالغون في تتبع أثر الأمم الأخرى وقد حذَّرنا رسول الله ﷺ من تتبع الأمم الأخرى قائلا “لتتبعنَّ سنن من كان قبلكم، شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع، حتى لو دخلو جُحر ضبٍّ تبعتموهم”[1]. فبئستِ الحرية التي لا تكون في إطارٍ من الدين، وسياجٍ من الخلق، فإنها مفسدة للمجتمع، ومنافية للعلم، وليست الحرية نفعًا إذا ما أهملت القرآن الكريم، وأغفلت السنة النبوية، فقد حذَّرنا النبي من محدثات الأمور قائلا “وإياكم ومحدثات ألأمور فإنَّ كل محدثة بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة”.[2]

إن الحفاظ على السنة النبوية يكون باتباع سننها، واقتتفاء آثارها، وطاعة نبي الإسلام ﷺ بكل ما جاء به، والسير في خطاه وكل ما دعا له، والدعوة إلى بالله بالحكمة والموعظة الحسنة، فإنَّ الداعي إلى الفضيلة له أجر من تبعه، وإليه فضل ما أوصى به.ويكون الحفاظ على السنة بوجوب طاعة النبي ﷺ وقد قال تعالى (مَّن يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّه)[3] وقد أمرنا نبي الإسلام بإتيان ما أمر به، واجتناب ما نهى عنه فقال (فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)[4] وهو إشارة أننا إن لم نستطع تنفيذ كل ما أمر به النبي ﷺ فإن القيام ببعضه، أفضل من تركه كله.

 إن الاعتصام بالسنة تقتضي التمسُّك بكتاب الله وسنة نبيه، والقيام بكل ما أمرنا فيهما، والامتناع عمَّا حرَّم بهما، ولا خير من إنسانٍ تتبع ما أمر به الله فحلَّلَ حلاله، وحرَّم حرامه، فلا يجب إذًا أن نستحدث أمورًا في ديننا لم يأمر بها القرآن، ولم تنص عليها شريعة الإسلام، وخالفت ما نصَّت عليه سنة نبيه ﷺ، وإن تلك المحدثات التي أتى بها أولئك قد تخالف ما شرَّعه الله، وتعارض سنَّة نبيه، وقد حذَّرنا الله تعالى من ذلك وأمرنا بالتزام ما أتى به نبي الرحمن، ورفض المحدثات التي تخالف القرآن، وقال (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا)[5] ونهانا النبي الكريم عن إحداث أي جديدٍ ليس في دينه قائلا ” من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد”[6] فلا أحبَّ إذا إلى الله ممَّن دعا إلى هديه، واقتفى سنَّته، فسنَّ في الناس سنَّةً حسنة يكون له أجرها، وأجر كل من عمل بها، فلا مساوة بين من دعا إلى هدى، ورفع رايه التقوى، ومن دعا إلى ضلالة، وغرَّه ما غرى من الغوى، فعليه وزر دعوته ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة.

وأهمُّ ما في اتباع سنتَّه هو الدفاع عن العقيدة وأركانها، والذبُّ عنها ضد من يريد هدمها، وجعل العمل بالسنِّة واجبًا على كل مسلم لا خِيرةَ له فيه، ولا انصراف له عنه، فإنَّ الله تعالى ما أرسل رسولًا إلا ليُطاع هديُه، وانتصرَ شريعته.وتعظم سنَّته.

إن التخلي عن السنة النبوية عظيمٌ ضرره، شديدٌ خطره، فادحٌ إثمه، وهو سيفتح بابًا لانتشار الرذيلة في المجتمع، وشيوع الانحراف بين الناس، فإن شاعت الزذيلة في المجتمع انهار أخلاقيًّا، وانتُسف مجتمعيًا، وتدهور سلوكيًّا، فانحطَّ قدره، وفشلت خُطَّتته، ولم يعد قادرًا على مواكبة العلم، ومجاراة العصر، فإنَّ الاعتصام بسنَّةِ محمد ﷺ هي السياج الوحيد، والحصن المنيع، في وجه انتشار المفاسد المجتمعية والأخلاقية، وهي التي تُصلح أمورهم الأخروية والدنيوية، وإذا انهدم ذلك الحصن  فإنَّنا لن نميزَ الحلال من الحرام، ولن نعرف الهدي عن الضلال، فيضلَّ المجتمع عن هدفه، وينصرف عن غايته، ويغرقَ في بحر من المنكرات التي تغضب الله لا حدَّ لها، ولا نهاية لأثرها، ولا رادَّ لأضرارها التي ستمزِّق المجتمع تمزيقًا، وتدمِّرهُ تدميرًا، ولن تستثني من أبناء المجتمع أحدًا، ولن تغادرنا أضرارها أبدًا، حينئد يحق عليها القول فيأتيها عذابٌ من الله أليم. وقد أمرنا رسول الله نصًّا باتِّباع أوامره، واجتناب نواهيه. وقد لا تعمى الأبصار، إنما تعمى القلوب التي في الصدور.

المراجع:

[1] البخاري ومسلم

[2] الترمدذي وابن ماجة

[3] سورة النساء 80

[4] البخاري ومسلم

[5] سورة الحشر 7

[6] صحيح مسلم

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى