يسألونك عن الثقافة، قل: وُئِدتْ حين أُهينَ أهلُها!

د. كاميليا عبد الفتاح | أكاديمية وناقدة مصرية

أي حراكٍ أدبيٍ ونقدي وثقافيٍ ننتظر – ونرجو – بعد أنْ ارتضينا أن يحصل الموظف الإداري في وزارة الثقافة – بكل قطاعاتها ومؤسساتها – على رواتب عاليةٍ  مقابل إلقاء الفُتات للأديب والناقد والمثقف الذي يقومُ على أكتافه المشهدُ برمّته، والذي لولاه ماكان لهذا الموظف – الكبير قبل الصغير – وجودٌ أو وظيفةٌ أو مُسمىً أو قيمة؟!

أيُ مجتمعٍ هذا الذي يرتضي هذه المعادلة الجائرة المُهينة المُدمية بالغة الجنون ؟ ! 

أي مجتمع يتحمل- ويقبل – أن ينكبَّ الناقد – أو الكاتب  أو الشاعر – الحقيقي- طيلة أسابيع – أو شهر أو شهرين – على إعداد عملٍ  ينالُ  تأليفُه من عمره ومن حيويته ومن عافيته ومن وقت أسرته ونومه – وسائر أمره- وينال أيضا من ماله -لشراء المراجع والمصادر- ثم يحصل مقابل إلقاء هذا العمل -أو هذه  الدراسة –  في منصّة – من منصات وزارة الثقافة – على مكافأة زهيدة تافهة لا تعادل ثمن وجبته، لا تكفي لوجاهة هيئته  أو مواصلاته، أو سفره؟.. ،والأمر ذاته حين تُنشرُ هذه الدراسة في إحدى المجلات المتخصصة  – أو الصحف – الرسمية.. هذا إنْ أفلح في النشر، واستطاع أن يحظى برضا القائمين على إدارة المجلة ، ولم يكن من المُستبعدين، أو المنبوذين من (الشلّة)..! وهذا أمرٌ آخر لا يؤرق وزارة الثقافة التي تركت الشللية تنخر في الجسد الثقافي المصري، حتى صارت مصرُ تتراجع عن دورها الريادي  بانتظامٍ  مُطرد، وصارت  وضعيتها الثقافية على وشكِ أن تكون موضع إشفاق أو سخرية ..!

كيف اطمأن القائمون على الثقافة إلى أن مئة جنيه أو ما يزيد قليلا مكافأة مالية لائقة للكاتب أو الشاعر أو الناقد مقابل عملٍ يكدّ الذهن والروح ، ويُفترضُ فيه أن يكون بمثابة الدم الطازج الذي يقيم عصب المجتمع  وماهية الوطن؟!

كيف ارتضوا  هذا دون أن يقارنوا بين هذا الفتات المُخزي وبين ما يحصلون عليه من رواتب عالية ، يُضاف إليها من المُخصصات ما نعلم وما لانعلم، ويُضاف إليها : الوجاهة ، والعظمة، والاستعلاء على الأدباء والنقاد، والكِبر، وعدم القيام بالأمر- ونستثني الشرفاء – والسفر بمناسبة وبدون مناسبة، وتكوين عُصبة داعمة من المقربين من (أهل الثقة والمحبة  والجمال والدلال)، هذه العُصبة التي نراها تحصل  – دون سابق إنذار -على جائزة من جوائز الدولة ، لا لشيء إلا  لأنها ظفرت بالتوصية والحنان والرضا و(الحب مالوش كبير)..!

ألا يرى المسئولون في وزارة الثقافة تزاحم الأدباء والنقاد – الكبير قبل الصغير – للحصول على فرصة الجلوس على منصة، وفرصة النشر في مجلة ، وفرصة النشر في مؤسسات الدولة ؟! أو لا يرون نزاعاتنا التي لا سببَ لها إلا التزاحم للحصول على فرصة: فرصة للقول، وفرصة لمكافأة ؟

أو راقَ للمسئولين أن يروا أدباء مصر وكتّابها ونقادها ومثقفيها وهو يصلُون إلى هذا الحدّ المُزري من التسول؟ تسول موضع للحياة ، تسول معاش ، تسول مكافأة، وتسول فرصة للعلاج من مرض خطير، تسول الرضا؟ تسول الاعتراف بالمكانة ؟!

أو  راق للمسئولين أن يروا أدباء مصر ونقادها  متزاحمين في طابور لا ينتهي  أمام المجلات العربية للحصول على فرصة للنشر، وقد صارت المكافأة  الدولارية – لدى كثيرٍ منهم –  أهم من نشر نصوصهم ذاتها؟! وهل يعلمُ المسئولون أنّ النشر في بعض هذه المجلات يُخضع الأديب لشروط  فنية بل وأيديولوجية   مقابل الحصول على الدولار؟ هل يعلم المسئولون أنّ النتيجة المُتحصلة من إزاحة المبدع والمثقف المصري  من المسابقات  الرسمية ، سواء بشكل مباشر، أو بشكل غير مباشر، بتنصيب لجنة تحكيم (من الحبايب) لا دراية لها  بالإبداع  والنقد  – أدّى إلى لهاثنا خلف المسابقات العربية  خضوعا تاما لشروطها: بعضنا يريد كلمة اعتراف بمنجزه، بعضنا يريد إغاثة مالية يكمل بها تعليم أبنائه؟! وكثيرٌ منّا كثيييير منّا يكتبُ وفق شروط المسابقة غيرَ عابئٍ  بارتحاله المؤلم – دون عودة – عن منجزه الإبداعي، وهجره – غير الجميل – لمشروعه الكتابي؟! المُضحك – حتى البكاء – أنّ  كثيرًا منّا  لايفوز في هذه المسابقات  لأنّ لجنة التحكيم بها  اشتملت على واحد – أو أكثر – من أحد المسئولين الذين ألجأوه إلى هذه المسابقة: صحفي كبير، موظف كبير، أكاديمي كبير (من أهل الثقة)  كبير كبير كبير…!

ألا يرى المسئولون هذه الصالونات الثقافية – الحقيقية والمُزيفة – التي انتشرت على طول البلاد وعرضها ، والتي تمنح أوراقها الكارتونية لتشهد للكاتب أنه حي يرزق وأنه مهمٌ ويستحق الاستماع إليه ومصافحته ؟!  ألا يرون ظاهرة بيع القصائد والدواوين والروايات (الحلزونة ياما الحلزونة)  ألم يسمعوا عن بيع العضويات الرسمية، وبيع النص النقدي الذي يجيزُ رواية ما أو ديوانا أو؟ ألم يتساءلوا عن سبب تردد اسم بعينه (فلان/ ة)  في أروقة الثقافة بين يومٍ وليلة واحتشاد فريق بعينه خلفه  يهللُ له أنه كبير المبدعين وأنها سلطانة الكلمة؟!

  هل استمرأ المسئولون  استغاثات هذا الكاتب وهذا الناقد من أجل العلاج على نفقات الدولة في الوقت الذي يسافر فيه فلان وعلان منهم  لإجراء الفحوص الدورية على حساب الدولة دون رقابة ودون مراجعة ؟!!!!

ألا يعلم المسئولون أننا نعلم أنهم يعلمون وأن كثيرا منهم مشغول بتثبيت مقعده وعد راتبه و الاستعداد لإزاحة فلان من منصبه وتشمير الساعدين للجلوس   في مقعد فلتكان  ؟!!

أو لا يعلمون أننا ضقنا ذرعنا بحياتنا – كما أرادوا لنا تماما – لأننا  نعجز عن أن نكون من  أهل الكلمة  ، كما أننا أشد تعاسة  من أن نكون من  أهل المال .. ؟!  نحنُ أيها السادة ،  لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء  .. على أعرافنا نتلظّى .. على أعرافنا نحن مستوحشون !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى