ثقافة المقاومة ومقاومة الثقافة.. سناء موسى نموذجا
الأسير حسام زهدي شاهين | فلسطين
إن معركة الإستقلال والخلاص من الاحتلال هي أهم المعارك التي يخوضها الشعب وقواه الثورية بغض النظر عن تنوع مشاربها الفكرية والايدلوجية، والثقافة ركن أساسي ومهم، بل مهم جداً في هذه المعركة الطاحنة، لأنه من واجبها أن تلتقط – عبر روادها ومثقفيها- بمهارة كل أشكال المقاومة التي يصنعها الشعب وثورته في مختلف الميادين، وبوسائله البسيطة وصدور أبناءه العارية، أو لم نصنع في نهايات القرن الماضي إنتفاضة الحجر؟ بل قل: ثقافة الحجر؟! التي حولها الشاعر والمطرب الفلسطينيان من خلال الأغنية الثورية إلى سلاح من أهم أسلحة الانتفاضة الشعبية، حيث ساهمت الاغنية الوطنية في تعبئة الجماهير، واحتشادها في مظاهرات صاخبة أكثر بكثير مما فعلته البيانات والخطابات السياسية!!
فالفنان الذي يحارب أكاذيب الاستعمار بصوته، ويستحضر التراث لإظهار قيمته الوطنية والقومية، وباللحن والايقاع والكلمة الصادقة ينفض عنه كل أدران ورزايا التشويه التي ألصقها به الاحتلال، كل ذلك بهدف استنهاض روح شعبه المعنوية من ناحية، ومن أجل إبراز عمقه الحضاري كشريك في بلورة الحضارة الانسانية من ناحية ثانية، ومع هذا وذاك يبقى راسخاً في ذهن الفنان الملتزم بقضايا أمته وشعبه، أن يصنع من فنه مفتاحاً للمستقبل في سياق وحدته العروبية، مضيفا اليه بلسمة الابداع كل ما يربطه باللحظة التاريخية، هذا الفنان لا يحارب بصوته وحده وإنما يحارب بأصواتنا جميعاً، لنشر الوعي وتبديد التضليل الهادف إلى خلق الضياع الحضاري بين شعوب أمتنا العربية.
ومن بين مجموع هؤلاء الفنانين على امتداد ساحة وطننا العربي الكبير، تُطل علينا المطربة الشابة سناء موسى، بوجهها البشوش، وإبتسامتها الخلابة، سناء التي لم تكسرها أربعة وسبعون عاماً من احتلال المكان، وآلاف محاولت احتلال الزمان واللغة، لاتزال تواصل نقل رسالة شعبها بكل أرجاء المعمورة، فلم يتمكن جبروت الاستعمار من سرقة لسانها ولا من هز شجرة وعيها، ولا من اطفاء لهيب روحها الكنعانية، هي والغالبية الساحقة من أبناء وبنات شعبنا في فلسطين التاريخية!!
وباختيارها هذا اللون الطربي المميز لإستعادة الذاكرة الوطنية واحيائها، صارت سناء جزءاً متماهياً مع التراث الوطني الفلسطيني وحتى العربي، ولأنها اندمجت فيه ومعه بكل وجدانها بتنا نجد كلماتها وصوتها وفكرها وشكلها وزيها بما في ذلك طريقة آدائها، تؤثر فينا تأثيراً صادقاً، لأنها تقاوم بروحها، وبتنا نلجأ إليها كمصدر مهم من مصادر طاقتنا الروحية التي تُستنهض بها الهمم، ونشعر بها منخرطة معنا انخراطاً فعلياً في معركة كسر القيد والحرية، وبما أنها أخذت مكانها الطبيعي “كمثقف مشتبك” في هذه المعركة الشاملة ضد الاحتلال وعذابات الانسانية، احتلت بسهولة مكانها ومكانتها الطبيعيين في قلوبنا وفي وجداننا!!
سناء صاحبة الصوت الندي الذي يشبه ندى الصباح في لطافته، ويضيء الظلام كشمعة في معبد لا تغني إلا ما تؤمن به، وتشعر به شعوراً حقيقياً في أعماق أعماقها، والحماسة المتأججة في صوتها تحاكي أرواحنا، وترتسم فرحة في مشاعرنا لأنها تصل الينا بسلاسة من خلال انفعالات جسدها، وهي تعتلي المسرح، وتبادلنا الأمل بالأمل، “فما أجمل الامل الذي يصنعه العمل” وحنجرة جنارة فلسطين.
فالفنان الذي يستطيع بكلماته وصوته من أن يجعل براعم النصر والحرية تتفتح في أرواحنا، إنما هو/هي ملتحم معنا للحد الذي يستطيع فيه أن .يحيل النضال إلى قصيدة وأغنية، الدليل الحي على كون روحه الصادقة، وانتماءه المخلص لشعبه وقضيته..مكنا من التقاط لحن الكفاح الجماعي الذي يدور رحاه في عقل ووجدان العشب، لأنه الثقافة التي تتولد من كفاح الشعوب، وتكون حاضنتها نبض الجماهير، هي الثقافة الأقوى والأبقى كونها ليست مجرد طقسا فلكلوريا جامدا وإنما نبض حياة!!
يقول فرانس فانون في كتابه (معذبوا الأرض): “اذا كانت الثقافة هي التعبير عن الوعي القومي، فانني لا أتردد عن القول… أن الوعي القومي هو أنضج شكل من أشكال الثقافة”، ويختتم مقولته موضحاً: “ففي قلب الوعي القومي .انما ينهض الوعي العالمي ويحيا.