ملخص كتاب محظور عند العرب.. طبائع الاستبداد (1- 5)

توفيق أبو شومر | فلسطين

يعتبر كتاب طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد لعبد الرحمن الكواكبي أحد أهم كتب علم السياسة في العصر الحديث ،لا لأنه كتابٌ جريء في مضمونه، ولكن لأنه كتابٌ فكري سياسي  يعالج موضوعا هو من أهم موضوعات السياسة، ألا وهو الأنظمة الاستبدادية، وهو أيضا يوافق القول:

” الأدباء والمفكرون هم قرون استشعار الجنس البشري”

فما في الكتاب من آراء ، تدفع القارئين إلى أن يظنوا بأن كاتبه ما يزال يعيش اليوم بيننا، على الرغم من أنه توفي  مسموما عام  1902.

وإذا كان ابن خلدون قد أرسى نظريات علم الاجتماع بسعة فكره في موضوع معالجة الدول، قيامها وزوالها، وأحداث التاريخ والعمران؛ فإن عبد الرحمن الكواكبي يعد من أبرز الكتاب في علم السياسة الذين أشاروا إلى أدواء المجتمعات السياسية، ووصف بدقة ( الاستبداد) وشخَّصه ووصف أعراض مرض الاستبداد بشمول وباقتدار.

إن هذا الكتاب المحظور من النشر في كثير من الدول العربية هو كتاب خطير من وجهة نظر الحكام والرؤساء، ممن يرون في نشر أفكاره تعريضا بسلطاتهم وكشفا لخططهم، التي تقوم على تجهيل أبناء شعبهم، لكي يأمنوا ثورتهم وتمردهم، ليظلوا متربعين على سدة الحكم سنوات طويلة، وهم يرون في الكواكبي محرضا كبيرا على أنظمتهم الاستبدادية، وداعيا إلى الثورة على كل أشكال الاستبداد.

كما أن الكواكبي قد تعرض للتشويه، شأنه شان المفكرين، والقادة، والمصلحين، ممن حاولوا النهوض بمجتمعاتهم لإنقاذها من كبوة الجهالة ومستنقع الإذلال، فهو رائد من رواد الإصلاح في العصر الحديث، وهو ضمن فريق المصلحين الذين تعرضوا جميعهم للإساءة، أمثال جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده وقاسم أمين، وغيرهم،  وهم مجايلون لعبد الرحمن الكواكبي، فقد توفي الأفغاني عام 1897 وتوفي محمد عبده 1905 ، وقد كانوا في خندق واحد بعد أن رصدوا جميعهم عِلَّةَ ضعف العرب والمسلمين، وأثر الاستبداد الواقع على كاهلهم.

ومن يدرس مسيرة هذه الحركة الإصلاحية فإنه يُصدم عندما يعيد قراءة أفكار رواد الإصلاح ومن تبعهم من المصلحين ، لأن أفكارهم ما تزال صالحة حتى اليوم، فقد أوضحوا مواطن الداء، ووصفوا العلاج الناجع لكل مرض من الأمراض في مقالاتهم وكتبهم وصحفهم.

 وهم أيضا قد تعرضوا للتهديد والنفي والطرد وحتى التسميم كما حدث مع الكواكبي.

وإذا أردنا دراسة الحركة الإصلاحية في العصر الحديث، لنعرف توجهاتها وطريقة معالجتها لمرض ضعف المسلمين والعرب، فإننا لن نجد وثيقة أكثر دلالة في نمط المعالجة لأحوال العرب والمسلمين المتردية، وضعفهم وهوانهم بعد عزتهم ومنعتهم السالفة، من كتاب طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد.

وقد حاول الكواكبي أن يعالج ظاهرة الاستبداد، بدون أن يتعرض للحاكم المستبد، وهي محاولة منه للنجاة من المساءلة، ولم تثمر محاولته تلك،  فقد فطن الحكامُ والمسؤولون إلى حيلته وتخلصوا منه في النهاية، فما يزال موته بالسم لغزا من الألغاز، التي لم تحل بعد، شأنه شأن الكاتب الكبير ابن المقفع في منتصف القرن الثامن للميلاد، وهو الذي كتب كليلة ودمنة، والأدب الصغير، والأدب الكبير، وعشرات الكتب الأخرى، والذي صلبه سفيان بن معاوية، أحد أتباع الخليفة المنصور، وقطَّعَ أعضاءَه جزءا جزءا، وشواها أمامه، وجعله يمضغها، في أبشع جريمة من جرائم التاريخ، لأن ابنَ المقفع  قدّم له كتابا في طريقة الحكم العادل للولاة والأمراء، فظنّ الطاغيةُ بأن الكتابَ تعريضٌ به!

يبدأ الكواكبي بتعريف الاستبداد من خلال مجموعة من الأسئلة المتعددة الأنماط والتي سوف يعالجها في الكتاب، وكأنه يشوق القارئ إلى فصول الكتاب التالية، فهو يقول:

ما تأثير الاستبداد على الدين، على العالِم، على المُجِدِّ، على الأخلاق، على الترقي، على التربية، على العمران؟

كيف يكون التخلص من الاستبداد؟

وبم يُستدل على الاستبداد ؟

ثم يضع تعريفا محكما للاستبداد فيقول:

” الاستبداد صفةٌ للحكومة المطلقة العنان، فعلا أو حكما، التي تتصرف في شؤون الرعية كما تشاء، بلا خشية حساب ولا عقاب، وهي تشمل حكومةَ الحاكم الفرد، المطلق، الذي تولى الحكم بالغلبة أو الوراثة “

ويشمل تعريف الحكومة المستبدة أيضا:

” الحاكم المنتخب من الشعب، متى كان غير مسؤول”

ويشمل أيضا:

“حكومة الجمع، ولو كانت منتخبة أيضا، لأن المشاركة في الرأي لا تدفع الفساد “

وتشمل أيضا:

“الحكومة الدستورية، المفرقة بين قوة التشريع، وقوة التنفيذ والمراقبة”

ولعل أشد مراتب الحكومة المستبدة التي يُتعوذ بها من الشيطان هي:

“حكومة الفرد المطلق، الوارث للعرش، القائد للجيش، الحائز على سلطة دينية “

فالاستبداد عند الكواكبي إذن هو دولة المسؤول الفرد، الحاكم المطلق الذي استولى على الحكم بالقوة والغلبة، أو الذي استولى على الحكم أيضا بسطوة الوراثة، فكلاهما لا يمتان للديمقراطية بصلة، فالأولى جاءت بواسطة إراقة الدماء، والثانية جاءت بالتضليل الوراثي!

كما أن الحكومة المنتخبة أيضا، قد تكون استبدادية، إذا كان الحاكم المنتخب (غير مسؤول).

وكذلك حال حكومة الجمع المنتخبة، قد تكون أيضا مستبدة، لأن الجمع لا يلغي الاستبداد.

 وكذا الحال في الحكومة الدستورية، التي يفصل دستورُها بين التشريع والتنفيذ والمراقبة.

إذن فهو يشير بوضوح إلى أن معظم دول العرب، وكثير من دول العالم، تعيش حالة الاستبداد، في ظل أنماط الحكومات الديكتاتورية.

 وهو يشير في بداية كتابه إلى أخطر نتائج الاستبداد:

(إرساء جهالة الأمة، والجنود المنظمة، وهما أكبر مصائب الأمم)

وهو يقصد بالجنود المنظمة، تجنيد وتطويع الجيش الخاضع للحاكم المستبد، الذي ينفذ أوامره، مما يشيع الرعب في نفوس الرعية.

وهو يصف المستبد بأنه دائم الاستعداد للشر، وهو يسعى دائما لترويض رعيته بحيث يكونون كما الأنعام،  تمتلئ ضروعها بالخير، أو يكونون كالكلاب في التذلل والتملق .

يتبــــع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى